الثقافة القانونية للمرأة: نحو تمكين قانوني ومجتمعي شامل
رغم التقدّم الذي أحرزته المرأة في العديد من المجتمعات الحديثة، حيث باتت تلعب دورًا محوريًا في بناء الأجيال والمساهمة الفاعلة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنها لا تزال، في كثير من الدول، عرضة لانتهاكات متعددة تطال حقوقها الأساسية. وتتنوع هذه الانتهاكات بين التمييز في التعليم والعمل، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والحرمان من الحقوق السياسية والاقتصادية، فضلًا عن النظرة النمطية التي تقلّل من مكانتها، إما بسبب الفهم الخاطئ لطبيعتها، أو نتيجة ثقافة التسلط الذكوري التي ما زالت تهيمن على بعض المجتمعات.
ومن هذا المنطلق، فإن الارتقاء بثقافة المرأة القانونية يُعد أمرًا جوهريًا في تمكينها من الدفاع عن حقوقها وممارسة دورها المجتمعي والسياسي والاقتصادي بثقة واستقلال.
●أولًا: الإطار المفاهيمي لحقوق المرأة
تُعد حقوق المرأة استحقاقات مشروعة تنبع من مبدأ المساواة والكرامة الإنسانية، وهي حقوق مُقرّة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وتمثل هذه الحقوق جوهر العدالة الاجتماعية، سواء من حيث حرية المرأة، أو حمايتها من العنف والاستغلال، أو تمكينها من اتخاذ القرارات المرتبطة بحياتها الخاصة والعامة.
وقد كفلت الاتفاقيات الدولية هذه الحقوق بصورة واضحة، لاسيما "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" التي أقرّتها الأمم المتحدة عام 1979 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1981، حيث تُعد هذه الاتفاقية بمثابة الشرعة الدولية لحقوق المرأة، إذ عرّفت التمييز ضد المرأة ووضعت خارطة طريق تشريعية وسياسية للقضاء عليه.
●ثانيًا: موقف الإسلام من المرأة
قدّم الإسلام نموذجًا متقدمًا في تكريم المرأة، وذلك في سياق كان يُنظر إليها فيه بازدراء وامتهان. فقد منحها الإسلام حقوقًا واضحة في الميراث والتعليم والكرامة الزوجية، وجعلها شريكة للرجل في الإنسانية، فساوى بينهما في التكليف والمحاسبة، وضمن لها حقوقها الأسرية والاجتماعية على نحو تكاملي، لا يلحق بها ضررًا ولا ينتقص من دور الرجل، بل يُحقّق التوازن في الحياة المجتمعية.
●ثالثًا: تطوّر حقوق المرأة في القانون الدولي
أدى تبلور المفاهيم الإنسانية الحديثة وظهور الحركات النسوية إلى تطوّر النظرة القانونية للمرأة على المستوى الدولي. ومن أبرز مظاهر هذا التطور:
إدراج مبدأ المساواة في ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945.
الاتفاقيات الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث تنص المادة الثالثة المشتركة بينهما على ضمان المساواة الكاملة بين الرجال والنساء.
إنشاء لجان دولية متخصصة، مثل اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، والمقرر الخاص المعني بالعنف ضد المرأة، إضافة إلى فرق عمل دولية تُعنى بمراجعة التشريعات الوطنية التي تُميّز ضد المرأة.
●رابعًا: الحقوق القانونية والاقتصادية والسياسية للمرأة
بموجب الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية في العديد من الدول، أصبحت المرأة تمتلك حقوقًا متعددة تشمل:
الحقوق المدنية: كحق التعليم، والتعبير عن الرأي، والتنقل، وتكوين الأسرة.
الحقوق الاقتصادية: كالحق في العمل، وتملّك الأموال، والاستقلال المالي، والمشاركة في التنمية الاقتصادية.
الحقوق السياسية: مثل الحق في التصويت والترشح، والمشاركة في صناعة القرار، وتقلّد المناصب العامة.
ومع الاعتراف بهذه الحقوق، لا تزال بعض المجتمعات تعاني من ضعف التوعية القانونية لدى النساء، ما يحول دون ممارسة هذه الحقوق بالشكل الفعلي.
●خامسًا: التوصيات
لتحقيق العدالة الاجتماعية الكاملة وتعزيز حقوق المرأة، نوصي بما يلي:
1. تعزيز الوعي القانوني لدى النساء من خلال حملات التثقيف وورش العمل القانونية.
2. مراجعة القوانين الوطنية التي قد تتضمن نصوصًا تمييزية ضد المرأة والعمل على تعديلها بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية.
3. تمكين المرأة من المشاركة السياسية وصنع القرار على كافة المستويات.
4. دعم المنظمات النسائية والمجتمعية التي تُعنى بحماية حقوق المرأة وتمكينها.
5. تفعيل دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في نشر ثقافة المساواة والكرامة الإنسانية.
تمكين المرأة ثقافيًا وقانونيًا هو ضرورة ملحة لتحقيق مجتمع متوازن تسوده العدالة والمساواة. فكما أن المرأة نصف المجتمع، فإن احترامها وتفعيل حقوقها هو احترام للإنسانية جمعاء، وركيزة أساسية في بناء دول القانون والعدالة.
*بقلم المستشار الدكتور ناجي سابق.
النرأة القيادية# رائدات الاعمال # الثقافة القانونية للمرأة القيادية # النرأة والقانون # الدكتور ناجي سابق