لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص
لا يمكن اعتبار فعل ما جريمة أو فرض عقوبة عليه إلا إذا وُجد نص قانوني صريح يحظر تلك الجريمة ويحدد العقوبة المناسبة لها. بمعنى آخر، يجب أن يكون هناك قانون صادر من السلطة التشريعية ينص على الجريمة وعقوبتها، ولا يمكن معاقبة شخص على فعل ما إلا إذا كان هذا الفعل محظورًا ومعاقبًا بواسطة قانون.
يُعدّ مبدأ لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص أو بقانون، من المبادئ الراسخة في أغلب النظم القانونية، ومقتضاه أنه لا يمكن عدّ أي فعل جريمة ما لم يجرّمه المشرّع مسبقاً، كما لا يمكن فرض أي عقوبة لم يجعلها المشرّع من العقوبات التي يجب إنزالها بحق الجاني عند ارتكابه لجريمة ما، و يعد هذا المبدأ من المبادئ الدولية، وكمثال على ذلك نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 في المادة 11 (لا يدان أي شخص من جراء فعل أو ترك إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي)؛ كما تضمنه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 حيث نص صراحة في المادة (22) منه على أن (لا يسأل الشخص جنائياً بموجب هذا النظام الأساسي ما لم يشكل السلوك المعني وقت وقوعه، جريمة تدخل في اختصاص المحكمة). وتنص المادة (23) من هذا النظام أيضاً على أن (لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقاً لهذا النظام الأساسي).
ويعد هذا المبدأ أحد مبادئ الشرعية الجنائية، وركيزة من ركائزها, ويقصد به حصر الجرائم والعقوبات في القانون المكتوب وجعله دون غيره مصدراً للتجريم والعقاب؛ فلا يُجرم فعلاً لم يجرمه القانون، ولا يُقضى بعقوبة دون ما نص عليها القانون.
وينص مبدأ الشرعية الجنائية ان تصاغ النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض ، وهي تعد ضمانة غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها فلا يكون سلوكهم مجافيا لها ، بل متسقة معها.
وانطلاقا من تلك المبادئ الراسخة؛ لا يسال الشخص جنائيا مالم يشكل السلوك المعنى وقت وقوعه جريمة تدخل فى اختصاص المحكمة طبقا للقانون الوطنى او الدولى ، كما لا يجوز للقاضي ان يؤثم أفعالا ينتقيها ، ولا أن يقرر عقوبه وفقاً لاختياره.
هل تسري قاعدة لاعقوبه ولا جريمه إلا بنص على الجرائم الجنائية فقط أم تسري أيضاً على الجرائم التأديبية؟
من المعلوم أن التشريعات الجنائية المعاصرة تقوم علي مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وهو ما يسمى بمبدأ الشرعية الجنائية، فالقانون هو الذي يحدد التجريم والعقاب عليه ، أي أن هذا المبدأ يستلزم وجود قاعدة قانونية تحرم السلوك وتعاقب عليه ، كما يستلزم ان تكون القاعدة الجنائية سارية في الزمان والمكان الذي ارتكبت فيه الجريمة وهذا ما يقتضي تحديد نطاق سريان القاعدة الجنائية من حيث الزمان والمكان .
وقد نصت المواثيق والمعاهدات الدولية علي هذا المبدأ حتى تضمن سلامة تطبيقه وأعماله في الدساتير الوطنية باعتباره حقا قانونيا ودستوريا يجب ألا يحرم منه أحد وهذا ما نص عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة (1948) واستقر في وجدان الجماعة الانسانية ، وصارت لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق يحدد الافعال التي تشكل جريمة من الجرائم وتبين العقوبة المناسبة لها.
أصول ظهور مبدأ لا جريمة ولا عقوبة من دون نص
و يذكر أن هذه القاعدة ترجع في أصولها إلى الثورة الفرنسية التي عبرت عن آراء فلاسفة القرن الثامن عشر وتعد سياجا للحرية الشخصية للأفراد والتي تنحصر في فعل ما يبيحه القانون لا في فعل ما يريده الفرد، فقد وردت لأول مرة ضمن ما أعلنته الثورة الفرنسية من حقوق للإنسان، ثم نص عليها في المادة الرابعة من قانون العقوبات الفرنسي الصادر 1810 كما أن النظام الاساسي للحكم في المملكة العربية السعودية قد نص في المادة (38) منه على: (العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي نص أو نص نظامي ولا عقاب إلا علي الاعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي ) .
وخلافا لما هو شائع عن أن هذا المبدأ جاء بعد الثورة الفرنسية سنة 1789 فإن أصل هذا المبدأ نجده في الشريعة الإسلامية التي عرفت هذه القاعدة من مدة تزيد عن أربعة عشر قرنا ، والواقع أنه ليس في نصوص القرآن والسنة نص واضح الدلالة على العمل بهذه القاعدة في مجال التشريع الجنائي أو بعبارة أخرى فإنه ليس هناك نص بعينه يفيد الأخذ بهذه القاعدة في التشريع الجنائي الإسلامي ومع ذلك فإنه يمكن استنتاج القاعدة من بعض النصوص القرآنية ومن القواعد الأصولية .
فأما آيات القرآن الكريم فمنها قوله تعالى : ” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا”.
كما نجد الاشارة إليه في قاعدتين اصوليتين هما
1- لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورد النص.
2- الأصل في الاشياء والأفعال الاباحة .
ويترتب علي قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص نتائج هامة منها :
• عدم رجعية القانون .
• قصر التجريم وترتيب العقوبات علي القانون المكتوب دون غيره من المصادر القانونية .
غير أن الشريعة الإسلامية لا تطبق هذه القاعدة على إطلاقها في كل الجرائم والعقوبات بل ميزت في التطبيق بين :-
• جرائم الحدود
• و جرائم القصاص
• و جرائم التعزير
وتعتبر عبارة ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بالنص ) مبدأ عدلي من مبادئ القانون ، ومعنى النصّ في القانون العبارة ضمن المادة التي تمّت صياغتها في القانون ، أما معناه في الشريعة الإسلاميّة في هذا الصدد يُراد به الدليل من الكتاب أو السنة صراحةً أو استنباطاً ، وهذا فرق مؤثّر من حيث سعة المعنى وعدم ذلك وما ينبني عليه من تخريج.
دلالات الألفاظ في أصول الفقه ، ويُطلق ويراد به ما ذُكِر أعلاه.
(*)المستشار الدكتور ناجي سابق#لا جريمة ولا عقوبة بدون نص