العدل اساس الملك

بقلم : د. ناجي سابق
عدد الزيارات: 106

العدل اساس الملك

العدل أساس الملك:

العدل خلق كريم، محبب إلى النفوس, يرسخ الأمل لدى المظلومين، ويجعل الظالمون يقيمون له ألف حساب، فالعدل يعيد الأمور إلى نصابها، وبه تحفظ الحقوق لأصحابها، ويسعد الناس.
العدل صفة الأتقياء ، ونهج قويم على الطريق السليم, فلا غرابة حين قيل: ( العدل أساس المُلك).
ولما كان العدل أهم أعمدة الحضارة في بناء المجتمعات وتطورها,  وأقوى ركيزة تقام عليها الدول والنظم, حملت الأديان لواءه,  وطبقته على  الحقوق والحرية والأحكام التشريعية الفقهية في المجالات المختلفة، ولو أردنا أن نضرب مثالا للعدل من الدين الإسلامي لوجدناه يتجسد في الكثير من آيات القرآن الكريم.
ففي سورة النحل يأمر الله تعالى بتحقيق العدل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90
وفي سورة المائدة  دعوة إلى تطبيق العدالة قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]، 
العدل في الكلام:
ودعانا القرآن الكريم إلى العدالة في الكلام, قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: 152]. فقول الحقيقة وصية سماوية يجب القيام بها واتباعها، وهو ما تؤكده هذه المعاني القرآنية بوضوح لافت: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ [الأعراف: 29]. والعدل من القيم التي تشترك في قبولها أغلب النفوس البشرية لما تحققه العدالة من الحرية والكرامة.
العدل في الأحاديث الشريفة:
 وجاء العدل في الأحاديث النبوية الشريفة، حيث رُوِيَ عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال " لو أنّ فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعتُ يدها"، في إشارةٍ على حرصه على المساواة بين الناس حتى وإن كان المذنب من أهل بيته، فالعقاب واحد. 

العدل أساس الملك: أصول ومعاني
تُعدُّ مقولة "العدل أساس الملك" من الأمثال التي تحمل حكمةً عميقةً حول العلاقة بين الحكم والعدالة. تُظهر هذه المقولة أهمية العدل كعنصرٍ أساسي في استقرار أي نظام سياسي ونجاحه. تعود أصول هذه المقولة إلى عدة مصادر تاريخية وثقافية، وتُستخدم لربط العدالة بالاستقرار الملكي والحكم الرشيد.
أصل المقولة:
ترتبط مقولة "العدل أساس الملك" بالعديد من المصادر التاريخية والأدبية التي تعكس أهمية العدالة في بناء السلطة واستقرار الدولة. تعتبر هذه المقولة من أبرز المقتطفات التي تعكس الفهم التقليدي للأدوار التي يلعبها العدل في الحكم.
1. التراث العربي والإسلامي: في التراث العربي والإسلامي، نجد أن العدالة كانت دائمًا محورًا أساسيًا في الفكر السياسي. يُعزى الفضل في شهرة المقولة إلى الخلفاء الراشدين والأمراء الإسلاميين الذين شددوا على أهمية العدالة في الحكم. على سبيل المثال، كان الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، معروفًا بتطبيقه للعدل ومراقبته الشديدة للأمور السياسية والاجتماعية، وهو ما أسهم في استقرار الدولة الإسلامية.
2. الكتب التاريخية والأدب العرب:  نجد أيضًا إشارات إلى المقولة في الكتب التاريخية والأدب العربي. في "المقامات" لبديع الزمان الهمذاني، الذي يعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، نجد تلميحات إلى أهمية العدالة في الحكم. هذا يوضح كيف كان العدل يُعتبر أحد الأعمدة الرئيسية للحكم الرشيد في مختلف العصور.
العدالة والحكم:
العدالة هي عنصر أساسي لضمان استقرار أي نظام حكم. يُعتبر تطبيق العدل من قبل الحكام أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على رضا المواطنين وسلامة المجتمع. وفيما يلي بعض الأمثلة التاريخية التي تُبرز كيف أن تطبيق العدالة ساهم في استقرار الملكيات والأنظمة السياسية.
1. مملكة مصر القديمة: في مصر القديمة، كانت العدالة تُعتبر من القيم الأساسية التي يُفترض أن يحكم بها الفراعنة. كان يُنظر إلى الفراعنة كوسطاء بين الآلهة والبشر، ومن ثم كانوا ملزمين بتطبيق العدالة لضمان رضا الآلهة واستقرار الحكم. تعتبر قوانين "ماعت" من أبرز الأدوات التي استخدمها الفراعنة لضمان تطبيق العدالة في المجتمع.
2. الإمبراطورية الرومانية: في الإمبراطورية الرومانية، كان العدل أيضًا عاملًا محوريًا في استقرار الإمبراطورية. يُعرف الإمبراطور الروماني هارديانوس بتطبيقه لقوانين العدل وتطوير نظام قانوني عادل ساهم في استقرار الحكم الروماني. كانت القوانين الرومانية تهدف إلى توفير حماية للمواطنين وتعزيز العدالة الاجتماعية، مما ساعد في استقرار الإمبراطورية لعدة قرون.
التطبيقات الحديثة:
في العصر الحديث، لا يزال مبدأ "العدل أساس الملك" ساري المفعول، حيث يتم تبني العدل كأحد الركائز الأساسية للحكم الرشيد. على سبيل المثال، في الأنظمة الديمقراطية المعاصرة، تُعتبر المحاكم المستقلة والقوانين العادلة أدوات أساسية لضمان عدم استغلال السلطة وتحقيق المساواة بين المواطنين.
وفي الدول الديمقراطية، يعتبر ضمان الشفافية والمساواة أمام القانون من أهم المبادئ التي تساهم في استقرار النظام السياسي. يُظهر هذا كيف أن تطبيق مبادئ العدل ليس فقط من الجوانب الأخلاقية ولكن أيضًا من الجوانب العملية التي تساهم في نجاح الحكم واستمراره.
خاتمة:
تظل مقولة "العدل أساس الملك" تعبيرًا عن الحكمة القديمة التي تربط بين الاستقرار السياسي والاجتماعي والعدالة. إن فهم هذه المقولة والاعتراف بأهمية العدالة في الحكم يمكن أن يساعد الحكام والقادة على تحقيق الاستقرار والتنمية في مجتمعاتهم. سواء في العصور القديمة أو العصر الحديث، يظل العدل عنصرًا أساسيًا في نجاح أي نظام حاكم، ويُعتبر الأساس الذي يقوم عليه الملك أو السلطة السياسية.
(*) المستشار القانوني الدكتور ناجي سابق#العدل اساس الملك 



قنوات التواصل

مسقط ، سلطنة عمان

naji.sabek@hotmail.com

+9613606501