الوعي وعدم الجهل بالقانون

بقلم : د. ناجي سابق
عدد الزيارات: 133

الوعي وعدم الجهل بالقانون

القانون لا يحمي المغفيلن

القانون لا يحمي المغفلين: أصل المثل وتطبيقاته في الحياة اليومية
تُعتبر المقولة الشهيرة "القانون لا يحمي المغفلين" من الأمثال التي تحظى بشعبية واسعة في الثقافة العربية والعالمية. هذه العبارة تحمل في طياتها تحذيرًا مهمًا يتجاوز حدود الجملة إلى مفاهيم أعمق تتعلق بالمسؤولية الشخصية والوعي القانوني. في هذا المقال، سنتناول أصل هذه المقولة، معناها، وتطبيقاتها المختلفة في الحياة اليومية، بالإضافة إلى الأمثلة التي توضح كيف يمكن أن يؤثر هذا المفهوم على الأفراد والمجتمعات.
أصل المثل وتاريخه
"القانون لا يحمي المغفلين" هي ترجمة تقريبية للعبارة الإنجليزية الشهيرة "Ignorance of the law is no excuse" أو "The law does not protect fools". يعود أصل هذه الفكرة إلى الممارسات القانونية القديمة حيث كان يُعتبر الجهل بالقانون غير مبرر لارتكاب المخالفات. ومن المعروف أن معظم الأنظمة القانونية لا تعترف بالجهل بالقانون كعذر قانوني للتهرب من العقوبات. فالقوانين وضعت لتكون واضحة ومعلنة للجميع، ومن المفترض أن يكون الأفراد على علم بها أو يسعون للتعرف عليها.
تفسير المثل
المثل يعكس فكرة أن الأفراد يجب أن يتحملوا مسؤولية تصرفاتهم حتى وإن لم يكونوا على دراية كاملة بالقوانين التي تحكمها. لا يمكن للفرد أن يتوقع أن يكون في مأمن من العواقب لمجرد أنه لم يكن على علم بالقاعدة أو القانون الذي انتهكه. بمعنى آخر، يُحتم على الأفراد أن يكونوا على دراية بحقوقهم وواجباتهم القانونية، وأن يتحلوا باليقظة والحذر في تعاملاتهم.
قصة طريفة تنطبق على المقولة:
وفقاً لما جاء في موقع ناسبيرد، فإن قصة هذه المقولة تدور حول رجل أمريكي كان يعاني هو وعائلته من الفقر الشديد، حيث كانت حالته تثير الشفقة من شدة الفقر.
وذات يوم خطرت على باله فكرة تنتشله من حالة الفقر التي يعانى منها وتغير حاله وتبدلها الأحسن، حيث قرر أن ينشر في الصحف الأمريكية إعلاناً بعنوانه “إن أردت أن تكون ثرياً، فأرسل فقط دولاراً واحداً على صندوق بريد رقم (….) وسوف تكون ثرياً”.
وكعادة البشر صدقوا هذه الكذبة، فبدأ الملايين من الناس بإرسال دولاراً واحداً على صندوق بريده سعياً في الحصول على الثراء الموعود، خصوصاً أن دولاراً واحداً غير مكلف بالنسبة للشخص العادي. ولكن مكر هذا الرجل في الحصول على الثراء من وراء دولار واحد فقط سهل العملية وجعلها تسير كما يريد فهو ليس سوى مبلغ يسير جداً.
وبعد فترة حصل الرجل على مبتغاه، فجنى الملايين من الدولارات من المرسلين، فأصبح من أكبر الأثرياء، وبعدها نشر إعلانا آخر بعد حصوله على الملايين يحمل عنوان “هكذا تصبح ثريا”، موضحاً فيه الطريقة التي اتبعها في الحصول على الملايين.
وبعد نشر الإعلان، اعترض الناس على تصرفه هذا، ورفعوا عليه قضية في المحاكم يتهموه بالنصب و الاحتيال، ولكن جاء رد المحكمة عليهم بالمقولة الشهيرة التي تنصف ذكاء الرجل صاحب هذه العقلية “القانون لا يحمي المغفلين“.
تطبيقات المثل في الحياة اليومية
في الحياة اليومية، يمكن أن يظهر هذا المثل في عدة سياقات، منها:
1. المسائل المالية: في عالم المال والأعمال، يعد الجهل بالقوانين أمراً غير مقبول. على سبيل المثال، إذا كان شخص ما يستثمر في الأسهم ويغفل عن قواعد الضرائب المتعلقة بالأرباح، فإنه قد يواجه عواقب قانونية حتى إذا كان غير مدرك لهذه القوانين.
2. حقوق الملكية: من الأمور الأخرى التي يبرز فيها هذا المثل هي مسائل حقوق الملكية. فإذا قام شخص بنسخ محتوى محمي بحقوق الطبع والنشر دون إذن، فإن القانون لا يحميه من المساءلة القانونية لمجرد أنه لم يكن على دراية بأن هذا المحتوى محم. ويشير هذا إلى أهمية احترام حقوق الملكية الفكرية والبحث عن التراخيص والتصاريح 
هناك العديد من الأفراد الذين يواجهون مشاكل قانونية بسبب تحميلهم أو نشرهم لمحتويات محمية بحقوق الطبع والنشر على منصات مثل يوتيوب أو فيسبوك. هؤلاء الأفراد قد يقولون إنهم لم يكونوا على دراية بأنهم ينتهكون حقوق الطبع والنشر، ولكن القوانين لا تعفيهم من العقوبات.
كذلك لا بد التوعية في مجال المسائل الجزائية والمدنية والادارية وكل ما يتعلق بالمسؤولية العقدية والتقصيرية لأنها تعتبر الاساس في التعامل بين الناس وهي قد تؤدي الى مشاكل مادية ومعنوية لا تحمد عقباها من السجن الى الغرامات المالية اوالتعويضات عن الاضرار المدنية .
ضرورة نشر الوعي والثقافة القانونية 
من الضروري أن يعي الأفراد أهمية معرفة القوانين واللوائح التي تنظم حياتهم وأعمالهم. الاستشارة القانونية، البحث، والتدريب على القوانين ذات الصلة يمكن أن يكون له تأثير كبير في تجنب العديد من المشاكل القانونية. يمكن أن تساعد برامج التوعية القانونية، التعليم المستمر، وتقديم المشورة القانونية للأفراد والشركات على تجنب الوقوع في المشاكل المتعلقة بالقوانين.
في الخلاصة ان مقولة "القانون لا يحمي المغفلين" هو تذكير قوي بأن الوعي القانوني  والالتزام بالقوانين ضرورة حتمية وجودية للإنسان وهما  أمران أساسيان في حماية الأفراد من العواقب القانونية. الجهل بالقوانين لا يعفي أحداً من المسؤولية، وبالتالي، من الضروري أن يسعى كل فرد للحصول على المعرفة اللازمة والامتثال للقوانين لضمان تصرفاته بصورة صحيحة وقانونية. 
(*) المستشار الدكتور ناجي سابق



قنوات التواصل

مسقط ، سلطنة عمان

naji.sabek@hotmail.com

+9613606501