مع تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان، وخاصةً باستخدام القنابل الفوسفورية، يطرح النقاش حول شرعية هذا الاستخدام أسئلة ملحة. وفي هذا السياق، يؤكّد المستشار القانوني والخبير الجنائي الدولي د. ناجي سابق، أنَّ استخدام الفوسفور الأبيض يُعتبر انتهاكًا جوهريًا للقانون الدولي الإنساني، الّذي يستند إلى اتفاقية جنيف والبروتوكولات الملحقة، وكذلك للبروتوكول الثالث من اتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1983 والّذي يفرض قيودًا على الأسلحة الحارقة خاصّة كونها تلوّث البيئة. وبينما وقع لبنان على هذه الاتفاقيات، فإن إسرائيل لم تفعل ذلك وتعتبر استخدام الفوسفور الأبيض جزءًا من أهدافها العسكرية، مما يسمح لها بالتهرب من المسؤولية الجنائية والالتزامات الدوليّة.
ويقول سابق إنَّ الفوسفور الأبيض محرّم دوليّاً بسبب تأثيراته الضارة، إذ يسبب حروقًا شديدة، ويترسب في التربة، مما يؤدي إلى تلوث البيئة بشكل خطير. فاستخدام الفوسفور ضد المدنيين أو أراضيهم يشكل انتهاكًا واضحًا لهذا البروتوكول ويخالف القواعد العرفيّة التي تُلزم جميع الدول بالالتزام بها. ومع ذلك، يعاني البروتوكول الثالث من بعض الثغرات، حيث يُحظر استخدام القنابل الفوسفورية في القصف الجوي بموجب هذا البروتوكول، لكن إذا تم إطلاقها من الأرض، مثلًا عبر المدفعية، فإنها قد لا تُعتبر محرّمة بنفس القدر. هذه الثغرة تُستخدم أحيانًا لتفادي المسؤولية القانونية الدولية، مما يُبرز التحديات المستمرة في تطبيق القانون الدولي بشكل شامل وعادل في أوقات النّزاع.
ويؤكّد سابق أنَّ العدو الإسرائيلي يتجاوز القوانين الدّولية، فالأسلحة الفتاكة التي تُستخدم في غزة وجنوب لبنان تُعتبر وسائل حرب خطيرة، وينبغي على دول العالم الامتناع عن استخدامها. ويضيف: “إن هيمنة القوى الكبرى على مجلس الأمن، وتعطيله من خلال حق النقض (الفيتو)، تعزز من إفلات الدول المتورطة من المحاسبة وتجعلها غير ملتزمة بالقانون الدولي”.
في هذا الإطار، يشير د. ناجي سابق إلى أنَّه من الضروري أن تحث الحكومة اللبنانية المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، للضغط على إسرائيل لوقف استخدام القنابل التي تلوث البيئة وتدمر المزروعات والأراضي، مع ضرورة تقديم ادعاءات دقيقة لمعايير الجرائم الدولية إلى محكمة جنائية دولية لتحريك القضاء الدولي ومحاسبة المسؤولين.
علاوة على ذلك، يجب على الدولة اللبنانية أن تتحمل مسؤوليتها في تقديم التعويضات والمساعدات المالية للمزارعين في الجنوب، خاصةً لأولئك الذين تقع أراضيهم على خطوط التماس والحدود. يجب أن يتضمن هذا الدعم مساعدات تعزز صمود المزارعين وتشجعهم على الاستمرار في عملهم، مما يساهم في استقرار القرى الجنوبية ويعزز قدرتهم على مواجهة التحديات.
لا شك أن الثروة الزراعية في الجنوب اللبناني تأثرت بشكل سلبي جراء الحرب، خاصةً أن الجنوبيين يعتمدون عليها لتأمين قوتهم اليومي. يبدو أن إسرائيل تسعى بكل جهدها لتدمير ما تبقى من خيرات الجنوب، مما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل البيئة في المنطقة بعد انتهاء النزاع. هل ستتمكن جهود إعادة البناء من استعادة التوازن البيئي والاقتصادي، أم أن آثار هذه الحرب ستظل تؤثر على الجنوب لسنوات قادمة؟ هذه التساؤلات تفتح المجال أمام ضرورة التفكير في استراتيجيات حماية البيئة وتعزيز القدرة على الصمود لمواجهة الأزمات المستقبلية.
نقد# مقابلة الصحافي بلال غازية مع المستشار الدكتور ناجي سابق