الاصل في الاشياء الإباحة

بقلم : د. ناجي سابق
عدد الزيارات: 128

الاصل في الاشياء الإباحة

"الأصل في الأشياء الإباحة"

أصل المقولة وتطبيقاتها العملية
تُعد مقولة "الأصل في الأشياء الإباحة" من المبادئ الأساسية في الفقه القانوني والأخلاقي، التي تعكس فلسفة قانونية واسعة الانتشار. تعني هذه المقولة أن الأصل في الأفعال والأشياء هو الإباحة، أي أنه لا يُمنع شيء إلا إذا كان هناك دليل قاطع على تحريمه أو منعه. في هذا المقال، سنتناول أصل مقولة "الأصل في الأشياء الإباحة"، مفهومها، وتطبيقاتها العملية من خلال أمثلة مفصلة، كما سنستعرض التحديات المرتبطة بهذا المبدأ.
أصل مقولة "الأصل في الأشياء الإباحة"
تعود جذور مقولة "الأصل في الأشياء الإباحة" إلى الفلسفة القانونية والدينية التي تركز على أن الأصل في الأمور هو الإباحة ما لم يُثبت العكس. هذا المبدأ يعكس الفكرة الأساسية التي تقول إن الأفعال والأشياء ليست محظورة أو غير قانونية ما لم يُثبت تحريمه أو منعه من قبل القوانين أو النصوص الدينية.
أصول المقولة:
1. الفقه الإسلامي: في الفقه الإسلامي، تُعتبر مقولة "الأصل في الأشياء الإباحة" قاعدة أساسية. ينص الفقهاء على أن الأصل في الأمور هو الإباحة ما لم يُثبت تحريمه أو منعه من خلال نصوص شرعية واضحة. يُعبر عن هذه القاعدة بمقولة "الأصل في الأشياء الإباحة" أو "الأصل في الأمور الإباحة"، وهو ما يعني أن كل شيء مباح إلا ما نص الشرع على تحريمه.
2. القانون الروماني: في القانون الروماني، كان هناك اعتراف بأن الأصل هو حرية الأفراد في القيام بالأفعال ما لم يكن هناك نص قانوني يحظرها. هذا المفهوم أثر في النظم القانونية الحديثة.
3. القانون المدني الفرنسي: يُعبر القانون المدني الفرنسي عن مبدأ مماثل من خلال الاعتراف بأن الأصل في الأفعال هو الإباحة ما لم يُثبت عكس ذلك في النصوص القانونية.
مفهوم المقولة
مبدأ "الأصل في الأشياء الإباحة" يعكس الفكرة الأساسية التي تقول إن الأصل في الأفعال والأشياء هو الإباحة، أي أنه لا يُمنع شيء إلا إذا كان هناك دليل قاطع على تحريمه أو منعه. يشمل هذا المبدأ عدة جوانب أساسية:
1. الافتراض بالبراءة: يُفترض أن كل فعل أو شيء مباح ما لم يُثبت تحريمه أو منعه بناءً على نصوص قانونية أو دينية واضحة.
2. عبء الإثبات: يقع على عاتق الطرف الذي يدعي تحريمه أو منعه تقديم دليل قاطع يثبت هذا الادعاء.
3. حماية الحرية الفردية: يهدف المبدأ إلى حماية الحريات الفردية من القيود غير المبررة، ويعزز من احترام الحقوق الأساسية للأفراد.
أمثلة توضيحية لتطبيق المبدأ
1. مثال في القانون المدني:
• الحالة: شخص يقوم بعمل تجاري لم يُذكر في نصوص قانونية أنه محظور. في هذه الحالة، يُفترض أن العمل التجاري مباح، ولا يمكن اعتباره غير قانوني إلا إذا أصدرت السلطات قانونًا يحظره.
• توضيح: في هذا السياق، يعكس المبدأ أهمية حماية الأفراد من القيود غير المبررة ويعزز من حرية الأعمال التجارية. يُفترض أن كل عمل تجاري مباح حتى يُثبت عكس ذلك من خلال النصوص القانونية.
2. مثال في القضايا العقوبات:
• الحالة: شخص يُتهم بارتكاب جريمة تتعلق بفعل غير محدد كجريمة في القوانين. يُفترض أن الفعل مباح، ولا يمكن اعتباره جريمة إلا إذا كان هناك نص قانوني واضح يجرمه.
• توضيح: هنا، يُعزز المبدأ من أهمية حماية الأفراد من العقوبات غير المبررة ويعكس التزام النظام القضائي بالعدالة. يُفترض أن كل فعل مباح حتى يُثبت عكس ذلك من خلال النصوص القانونية.
3. مثال في قوانين الملكية:
• الحالة: شخص يمتلك عقارًا ويقوم بتصرفات قانونية على العقار، مثل تأجيره أو بيعه. يُفترض أن هذه التصرفات مباحة، ولا يُعتبر الشخص مخالفًا للقانون إلا إذا كان هناك نصوص قانونية تحظرها.
• توضيح: في هذا السياق، يُعزز المبدأ من أهمية حماية حقوق الملكية الفردية ويؤكد على أن التصرفات المتعلقة بالملكية مباحة حتى يُثبت عكس ذلك من خلال النصوص القانونية.
4. مثال في القضايا البيئية:
• الحالة: شركة تقوم بأنشطة صناعية لم يُذكر في النصوص القانونية أنها ضارة بالبيئة. يُفترض أن الأنشطة الصناعية مباحة، ولا يمكن اعتبارها مخالفة إلا إذا كان هناك دليل قاطع على تأثيرها الضار.
• توضيح: في هذا السياق، يعكس المبدأ أهمية حماية الحقوق الاقتصادية والتجارية للشركات ويعزز من احترام القوانين البيئية. يُفترض أن الأنشطة الصناعية مباحة حتى يُثبت عكس ذلك من خلال الأدلة والتقارير البيئية.
5. مثال في حقوق الإنسان:
• الحالة: شخص يُمارس حقوقه المدنية والسياسية، مثل حرية التعبير والتجمع، دون أن يكون هناك نص قانوني يقيد هذه الحقوق. يُفترض أن ممارسة هذه الحقوق مباحة، ولا يُعتبر الشخص مخالفًا للقانون إلا إذا كان هناك قيود قانونية واضحة.
• توضيح: هنا، يعكس المبدأ أهمية حماية الحقوق الفردية ويؤكد على أن ممارسة الحقوق المدنية والسياسية مباحة حتى يُثبت عكس ذلك من خلال النصوص القانونية.
التحديات والانتقادات
رغم أهمية مبدأ "الأصل في الأشياء الإباحة"، قد يواجه بعض التحديات والانتقادات، مثل:
1. تأخير تطوير القوانين: قد يؤدي افتراض الإباحة إلى تأخير تطوير القوانين لمواكبة التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية.
2. تعارض المصالح: قد يؤدي تطبيق المبدأ إلى تعارض بين الحريات الفردية والمصالح العامة، مما يتطلب توازنًا دقيقًا بين الحريات والقيود القانونية.
3. إثبات التحريم: في بعض الحالات، قد يكون من الصعب تقديم دليل قاطع على تحريمه أو منعه، مما يمكن أن يؤثر على تحقيق العدالة.
بعض الحلول المقترحة تشمل:
1. تحديث القوانين: تطوير القوانين بانتظام لمواكبة التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية يمكن أن يساعد في تحقيق توازن بين الحريات الفردية والمصالح العامة.
2. التوازن بين الحقوق والمصالح: تقديم آليات قانونية لتقييم التوازن بين الحريات الفردية والمصالح العامة يمكن أن يسهم في تحسين تطبيق المبدأ.
3. تحسين إجراءات الإثبات: تحسين إجراءات تقديم الأدلة وتقييمها يمكن أن يساعد في تسريع عمليات إثبات التحريمه أو منعه.
الختام
مقولة "الأصل في الأشياء الإباحة" تعكس مبدأ أساسياً في النظام القانوني الذي يركز على حماية الحريات الفردية والتأكد من عدم تحميل الأفراد قيوداً غير مبررة. من خلال التأكيد على أن الأصل في الأفعال والأشياء هو الإباحة، يعزز هذا المبدأ من احترام الحقوق الفردية والعدالة. رغم التحديات المرتبطة بتطبيق هذا المبدأ، فإن تحسين تحديث القوانين وتقديم آليات لتقييم التوازن بين الحريات والمصالح يمكن أن يساعد في تعزيز العدالة وتحقيق نتائج منصفة، مما يعزز من مصداقية النظام القضائي وحقوق الأفراد.
المستشار الدكتور ناجي سابق*


قنوات التواصل

مسقط ، سلطنة عمان

naji.sabek@hotmail.com

+9613606501