دفع الضرر اولى من جلب المنفعة

بقلم : د. ناجي سابق
عدد الزيارات: 158

دفع الضرر اولى من جلب المنفعة

"دفع الضرر أولى من جلب المنفعة": أصل المقولة وتطبيقاتها العملية
تُعد مقولة "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة" من المبادئ الأساسية في الفلسفة الأخلاقية والشرعية، حيث تعكس تفضيل حماية الأفراد والمجتمع من الأضرار المحتملة على السعي لتحقيق المنافع. هذا المبدأ يتجسد في سياقات متعددة، بدءاً من الفقه الإسلامي إلى القوانين المعاصرة، ويعكس التركيز على الحد من المخاطر وتجنب الأضرار بدلاً من التركيز فقط على تحقيق المكاسب. في هذا المقال، سنستعرض أصل هذه المقولة، مفهومها، وكيفية تطبيقها من خلال أمثلة توضيحية مفصلة.
أصل مقولة "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة"
تعود جذور مقولة "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة" إلى الفقه الإسلامي، حيث يعتبر هذا المبدأ جزءاً من القواعد الأخلاقية والشرعية التي تسعى إلى حماية الأفراد والمجتمع من الأضرار والمخاطر. يركز المبدأ على أن دفع الضرر أو تجنبه هو أولوية على تحقيق المنفعة أو المكاسب، مما يعكس الاهتمام بالسلامة والأمان.
أصول المقولة:
1. الفقه الإسلامي: في الفقه الإسلامي، يُعتبر مبدأ "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة" جزءاً من القواعد الشرعية التي توجيه الأفعال والتصرفات نحو حماية الأفراد والمجتمع من الأضرار. يُعتبر هذا المبدأ جزءاً من قواعد الفقه التي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وتجنب الأضرار.
2. فلسفة الأخلاق: في فلسفة الأخلاق، يُعبر مبدأ "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة" عن فكرة أن تجنب الأضرار والمخاطر هو قيمة أساسية تتجاوز الأهداف الفردية لتحقيق المنافع. يُعزز هذا المبدأ من أهمية السلامة والعدالة في اتخاذ القرارات الأخلاقية.
3. القانون المدني: في القانون المدني، نجد تأثيراً لمبدأ "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة" في بعض النصوص القانونية التي تهدف إلى حماية الأفراد والمجتمع من الأضرار المحتملة. يشير هذا المبدأ إلى أهمية اتخاذ تدابير للوقاية من الأضرار بدلاً من التركيز فقط على تحقيق المنافع.
مفهوم المقولة
مبدأ "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة" يعبر عن الفكرة الأساسية بأن حماية الأفراد والمجتمع من الأضرار يجب أن تكون أولوية على تحقيق المنافع. يتطلب هذا المبدأ اتخاذ تدابير وقائية لتجنب الأضرار والمخاطر بدلاً من التركيز فقط على المكاسب والمنافع.
أسباب تطبيق المبدأ تشمل:
1. حماية الأفراد: يساهم المبدأ في ضمان حماية الأفراد من الأضرار المحتملة، مما يعزز من السلامة والأمان.
2. تحقيق العدالة: يساعد المبدأ في تحقيق العدالة من خلال تجنب الأضرار التي قد تؤثر بشكل سلبي على الأفراد والمجتمع.
3. تعزيز الاستدامة: يعزز المبدأ من أهمية اتخاذ تدابير وقائية لضمان استدامة الموارد وحماية البيئة، مما يساهم في تحقيق المنافع على المدى الطويل.
أمثلة توضيحية لتطبيق المبدأ
1. مثال في مجال البيئة:
• الحالة: شركة ترغب في بناء مصنع جديد في منطقة محمية بيئياً. بناءً على مبدأ "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة"، يجب تقييم الأضرار البيئية المحتملة للمصنع وتجنب بناءه في المنطقة المحمية لحماية البيئة والمجتمع المحلي.
• توضيح: في هذا السياق، يُعزز المبدأ من أهمية حماية البيئة من الأضرار المحتملة التي قد تنجم عن بناء المصنع. التركيز على تجنب الأضرار البيئية يُعتبر أولوية على تحقيق المنافع الاقتصادية المحتملة.
2. مثال في قطاع الصحة:
• الحالة: أثناء وباء، تُقرر السلطات الصحية فرض قيود صارمة على التجمعات العامة لتجنب انتشار الفيروس. بناءً على مبدأ "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة"، تُعتبر تدابير الوقاية وتجنب الأضرار الصحية أهم من الأضرار الاقتصادية التي قد تنجم عن القيود.
• توضيح: في هذا السياق، يُعزز المبدأ من أهمية اتخاذ تدابير وقائية لحماية الصحة العامة، حتى إذا كانت هذه التدابير تؤدي إلى بعض الأضرار الاقتصادية. تجنب الأضرار الصحية يُعتبر أولوية على تحقيق المنافع الاقتصادية.
3. مثال في القوانين المالية:
• الحالة: قانون تنظيمي يقيد الممارسات المالية التي قد تؤدي إلى المخاطر المالية الكبيرة. بناءً على مبدأ "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة"، يُعتبر حماية النظام المالي من الأضرار المحتملة أهم من السماح لبعض الممارسات التي قد تحقق مكاسب قصيرة الأجل.
• توضيح: هنا، يُعزز المبدأ من أهمية حماية النظام المالي من الأضرار المحتملة التي قد تنجم عن ممارسات مالية غير منظمة. التركيز على تجنب الأضرار المالية يُعتبر أولوية على تحقيق المنافع المالية.
4. مثال في مجال البناء والتشييد:
• الحالة: شركة بناء تقترح استخدام مواد بناء أرخص ولكن أقل أماناً لتقليل التكاليف. بناءً على مبدأ "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة"، يجب اختيار المواد الأكثر أماناً لضمان سلامة المباني وعدم تعريض الأرواح والممتلكات للخطر.
• توضيح: في هذا السياق، يُعزز المبدأ من أهمية ضمان السلامة والأمان في البناء، حتى إذا كانت تكاليف المواد الأفضل أعلى. تجنب الأضرار الناتجة عن استخدام مواد غير آمنة يُعتبر أولوية على تحقيق توفيرات مالية.
5. مثال في المسؤولية القانونية:
• الحالة: شركة تنتج منتجاً جديداً ولكن لم يتم اختبار سلامته بشكل كافٍ. بناءً على مبدأ "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة"، يجب تأجيل إطلاق المنتج حتى يتم التأكد من سلامته لتجنب الأضرار المحتملة للمستهلكين.
• توضيح: هنا، يُعزز المبدأ من أهمية اختبار سلامة المنتج وتجنب الأضرار المحتملة التي قد تنجم عن عدم اختباره بشكل كافٍ. التركيز على تجنب الأضرار يُعتبر أولوية على تحقيق الفوائد التجارية الناتجة عن طرح المنتج في السوق.
التحديات والانتقادات
رغم أهمية مبدأ "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة"، قد يواجه بعض التحديات والانتقادات، مثل:
1. تحديد الضرر المحتمل: قد يكون من الصعب تحديد وتقييم الأضرار المحتملة بدقة، مما يمكن أن يؤدي إلى تحديات في تطبيق المبدأ.
2. الموازنة بين الأضرار والمنافع: في بعض الحالات، قد يكون من الصعب الموازنة بين الأضرار والمنافع، مما يتطلب تقييم دقيق وموضوعي.
3. التأثيرات على الاقتصاد: قد يؤدي التركيز على تجنب الأضرار إلى بعض الأضرار الاقتصادية، مما يتطلب تحقيق توازن بين حماية الأفراد وتحقيق المنافع الاقتصادية.
بعض الحلول المقترحة تشمل:
1. تحليل المخاطر: إجراء تحليل شامل للمخاطر لتحديد الأضرار المحتملة وتقييمها بدقة يمكن أن يساعد في تطبيق المبدأ بشكل فعال.
2. استشارة الخبراء: الاستعانة بالخبراء في مجالات مثل الصحة والبيئة يمكن أن يساعد في تحقيق توازن بين تجنب الأضرار وتحقيق المنافع.
3. التخطيط الاستراتيجي: تطوير استراتيجيات وخطط توازن بين الأضرار والمنافع، بما يضمن حماية الأفراد والمجتمع مع تحقيق الأهداف الاقتصادية.
الختام
مقولة "دفع الضرر أولى من جلب المنفعة" تعكس مبدأ أساسياً في حماية الأفراد والمجتمع من الأضرار والمخاطر، وتأكيد أهمية السلامة والأمان في اتخاذ القرارات. من خلال التأكيد على تجنب الأضرار بدلاً من التركيز فقط على المكاسب، يعزز هذا المبدأ من العدالة والاستدامة في مختلف المجالات. رغم التحديات التي قد تواجه تطبيق المبدأ، فإن تحسين تحليل المخاطر، والاستعانة بالخبراء، والتخطيط الاستراتيجي يمكن أن يساعد في تحقيق نتائج فعالة وعادلة، مما يساهم في تحقيق التوازن بين حماية الأفراد وتحقيق المنافع.
*المستشار الدكتور ناجي سابق# د.ناجي سابق# القاضي ناجي سابق


قنوات التواصل

مسقط ، سلطنة عمان

naji.sabek@hotmail.com

+9613606501