قاعدة الاستوبل (الإغلاق الحكمي) .
تُعتبر قاعدة الاستوبل (Estoppel)، أو ما يُعرف في الفقه القانوني العربي بـ"قاعدة الإغلاق الحكمي"، من اهم القواعد القانونية الجوهرية التي تهدف إلى تحقيق العدالة وحماية المراكز القانونية المشروعة. وتقوم القاعدة على منع الشخص من التراجع عن موقف قانوني أو سلوك او اجراء سابق إذا كان الغير قد اعتمد عليه بحسن نية، وغيّر مركزه القانوني بناءً على هذا الاعتماد، بما يؤدي إلى إلحاق ضرر بعدم الاثبات واسقرار التعامل
قاعدة الاستوبل تستخدم على نطاق واسع في القانون المدني والقانون التجاري ويقاس عليها في قوانين التحكيم ، وخاصة في ميدان العقود والمعاملات المدنية وعقود الانشاءات والاستثمار ، كما أخذ بها القانون الدولي العام وطبّقها القضاء والتحكيم الدولي في قضايا تتعلق بالعلاقات بين الدول والمستثمرين خاصة ان العالم اصبح قرية كونية وكل شيئ اصبح موثقا" ومتاحا" وفقا" لسرعة وحرية الوصول الى المعلومات في عصر العولمة والذكاء الاصطناعي
أولًا: مضمون القاعدة وشروط تطبيقها
شروط قاعدة الاستوبل:
1. وجود سلوك أو عريضة مكتوبة او تعقيب قانوني او صحيفة دعوى او حتى تصريح سابق من أحد الأطراف موثق يفيد اتخاذ موقف قانوني معين او اعتراض على طلب او اجراء قانوني وبالتالي فلا يجوز الانكار او نقض ما قدم
2. اعتماد الطرف الآخر على هذا الموقف اعتمادًا مشروعًا بحسن نية وثبات الموقف الموثق والمكتوب بين الاطراف
3. تغيير المركز القانوني للطرف المعتمد بما يؤدي إلى ضرر حال التراجع عن ذلك الموقف وبالتالي فلا يجوز التراجع او نقض ما تم على يديه لأنه مردود عليه قانونا" فيعتبر ذلك من باب الانكار للحقيقة بعد الاقار بها او بصحة الاجراءات مما يسبب ضياع للحقوق
فمن غير المقبول قانونًا أن يُسمح للشخص بتغيير موقفه القانوني بشكل يتناقض مع سلوكه السابق، متى أدى ذلك إلى الإضرار بالغير الذي وثق بذلك الموقف.
ثانيًا: تطبيقات في القضاء والتحكيم الدولي
اعتمدت محكمة العدل الدولية قاعدة الاستوبل في عدة قضايا، أبرزها قضية التجارب النووية الفرنسية (1974) بين أستراليا وفرنسا، حيث اعتبرت المحكمة أن التصريحات الرسمية الفرنسية كانت كافية لإنشاء التزام قانوني، ولا يمكن إنكاره لاحقًا. كما ظهرت القاعدة في تحكيمات استثمارية متعددة مثل قضية Waste Management v. Mexico، حيث مُنعت الدولة من التنصل من تعهدات ضمنية قدمتها للمستثمر.
ثالثًا: الأصل الفقهي للقاعدة في الشريعة الإسلامية
تجد قاعدة الاستوبل أساسًا لها في الفقه الإسلامي، من خلال القاعدة الفقهية الراسخة:
> "من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه".
وهذه القاعدة تدل على أن من صدر منه تصرف أو التزام أدى إلى ترتيب أثر قانوني، لا يجوز له الرجوع عنه إذا كان ذلك يسبب ضررًا للغير الذي بنى تصرفه على ذلك الالتزام.
فالفقه الإسلامي لا يقر التناقض في المواقف إذا نتج عنه إضرار بالغير أو زعزعة للثقة في التعامل، وهو ما يتوافق تمامًا مع جوهر قاعدة الاستوبل في القوانين الحديثة.
عليه وبناء لما تقدم تمثل قاعدة الاستوبل مبدأً قانونيًا يعكس التوازن بين العدالة واليقين القانوني المبني على الثبات وهي أداة فاعلة في يد القضاء لضمان عدم التناقض في المواقف، وصون ثقة الأطراف في المعاملات، وتحقيق استقرارها فيها لأن اسقرار المعاملات هو الاساس القانوني لحماية الحقوق وزيادة الاستثمار هذا تزداد أهمية هذه القاعدة مع تكور العلاقات الدولية سواء في القانون الوطني أو الدولي، لكونها تجسد احترامًا جوهريًا للمراكز القانونية المشروعة وحسن النية في التعامل القانوني بين الدول والشركات والافراد لا سيما في عقود الانشاءات وعقود الاستثمار والتجارة الدولية.
قاعدة الاستوبل في القانون المدني# قاعدة الاستوبلةفي التحكيم # الاغلاق الحكمي # التحكيم التجاري# من سعى في نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه # المستشار الدكتور ناجي سابق# د.ناجي سابق # المحكم ناجي سابق .