القرارات القابلة للاستئناف
يظهر الطعن بالاستئناف في مجال الأحكام القضائية باعتباره طريق طعن أصلي من جهة وعادي من جهة أخرى. ويحتفظ الاستئناف كطريق للطعن في القرارات التحكيمية الداخلية بنفس هذه الخصائص:
أ - الاستئناف طريق طعن أصلي تجاه القرار التحكيمي
يعد القرار التحكيمي صالحاً دائماً من الناحية القانونية للطعن فيه بالاستئناف.
لكن المشرع اللبناني لم يحدد نصاباً معيناً لاستئناف القرار التحكيمي، ولذلك تظهر صفته كطريق طعن أصلي على نحو أكثر وضوحاً حتى مما هي عليه في مجال الأحكام. يستوي في ذلك أن يكون التحكيم عادياً أم مطلقاً لأن القرار التحكيمي قابلاً للاستئناف أياً كانت قيمة النزاع الذي صدر فيه.
فالمشرع اللبناني يجعل القرار التحكيمي قابلاً للاستئناف كقاعدة عامة. يظهر ذلك بصورة أكيدة في حالة التحكيم العادي. أما في التحكيم المطلق، فإن الوضع مختلف بعض الشيء ولكن دون أن يصل إلى منع الاستئناف على نحو مطلق.
1 - القرار الصادر في تحكيم عادي
الأصل في القرار التحكيمي أنه يقبل الاستئناف. وهذا الأصل ينطبق بلا منازع على التحكيم العادي لعدم وجود نص مخالف. فالتحكيم العادي ثابت للخصوم دون حاجة إلى اتفاق على ذلك. أيضاً هو ثابت لهم حتى ولو كان التحكيم قد ورد على نزاع كان قائماً أمام الاستئناف.
وتماشياً مع قاعدة إطلاق نطاق سلطان الإرادة في مجال التحكيم، أجاز المشرع للخصوم الاتفاق على عدم جواز استئناف القرار التحكيمي الصادر في تحكيم عادي تطبيقاً لنص المادة 799 الصريح من قانون أصول المحاكمات المدنية.
فقد أنشأ المشرع اللبناني طعناً احتياطياً هو الطعن بالإبطال لمواجهة بعض العيوب التي تشوب القرار التحكيمي التي على درجة لا يصلح أن ينغلق باب قضاء الدولة أمامها لمجرد الاتفاق على عدم الاستئناف. فالطعن بالإبطال يكون جائزاً في هذه الحالة ولا يصح للخصوم توافرها في الاتفاق الذي يجعل القرار الصادر في تحكيم عادي غير قابل للاستئناف خلافاً للأصل.
- يجب أن يكون العدول عن الاستئناف باتفاق الطرفين. فالنص لا يتكلم عن عدول أحد الخصوم عن الاستئناف وإنما عن عدولهما معاً. ونكون بصدد تنازل متبادل عن الحق في الطعن قبل صدور القرار التحكيمي.
- وإذا كنا بصدد عدول عن الاستئناف قبل صدور القرار التحكيمي فإنه لا يكفي العدول باتفاق الطرفين وإنما يجب أيضاً أن يكون هذا العدول وارداً في اتفاقية التحكيم. يستوي في ذلك أن تكون هذه الاتفاقية بنداً تحكيمياً أو عقداً. كما يستوي أن يكون العدول الثابت في هذه الاتفاقية صريحاً أم ضمنياً.
- وإذا رفع المحكوم عليه استئنافاً ضد القرار التحكيمي، رغم الاتفاق على العدول عن الاستئناف، فإن المحكوم له أن يثير الدفع بعدم قبول الاستئناف. أما المحكمة فلا يحق لها إثارة هذا الدفع من تلقاء نفسها حيث يجب تفسير موقف الطاعن وسكوت المطعون ضده على أنهما بمثابة فسخ ضمني للاتفاق، وهو فسخ جائز طبقاً للقواعد العامة.
2 - القرار الصادر في تحكيم مطلق
رغم أن القرار التحكيمي في تحكيم مطلق لا يقبل الاستئناف من حيث المبدأ، إلا أنه يمكن للخصوم الاحتفاظ بحق رفع هذا الطعن. ولذلك يمكن القول بأن الطعن بالاستئناف يظل بصفته كطريق طعن أصلي حتى تجاه القرار التحكيمي الصادر عن محكم مطلق.
إن المشرع قد اعتبر اتفاق الخصوم على تحكيم عادي قرينة على احتفاظهم بحق الاستئناف، ولكنه سمح لهم بإعلان إرادة مخالفة، كما اعتبر اتفاقهم على تحكيم مطلق قرينة على عدولهم عن حق الاستئناف ولكنه سمح لهم أيضاً بنقضها.
فالشروط الواجب توافرها في الاتفاق الذي يجعل القرار التحكيمي الصادر عن محكم مطلق قابلاً للاستئناف، تكون كالتالي:
- أن يكون ثمة اتفاق على الاحتفاظ بحق الطعن بالاستئناف.
- أن يكون هذا الاتفاق صريحاً.
- أن يكون الاتفاق على الاحتفاظ بحق الطعن منصوصاً عليه في اتفاقية التحكيم.
وبناء عليه إذا كان القرار التحكيمي صادراً عن محكم مطلق فقام المحكوم عليه باستئنافه دون أن يدفع خصمه بعدم قبول الاستئناف فإنه يمكن أن يستشف من ذلك وجود اتفاق على الاحتفاظ بحق الاستئناف ولا يحق للمحكمة أن تقضي بعدم القبول من تلقاء نفسها بحجة أن النص المذكور من النظام العام.
ب - الاستئناف طريق طعن عادي تجاه القرار التحكيمي
الاستئناف يكون مباحاً أياً كانت الأخطاء التي يمكن نسبتها إلى القرار التحكيمي المطعون فيه. بل إن الأسباب الخاصة التي تبنى عليها طرق الطعن غير العادية يمكن أن تكون سبباً للطعن بالاستئناف. ولذلك يمكن أن يستند الاستئناف إلى أحد أسباب الإبطال المنصوص عليها في المادة 800 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني رغم أنها أسباب لطريق الطعن الخاص بالإبطال. كذلك يمكن أن يستند الاستئناف إلى أحد أسباب الطعن بإعادة المحاكمة.
بقلم المستشار الدكتور ناجي سابق# التحكيم # المحكم ناجي سابق #الدكتور ناجي سابق # التحكيم التجاري#قانون التحكيم اللبناني