ولاية هيئة التحكيم في الفصل في اختصاصها وفقًا للمادة (٢٢) من قانون التحكيم العماني (دراسة مقارنة خليجية)
يُعد مبدأ "الاختصاص بالاختصاص" (Competence-Competence) أحد المبادئ الراسخة في التحكيم الدولي، ويقضي هذا المبدأ بأن تفصل هيئة التحكيم في مدى اختصاصها للنظر في النزاع، بما في ذلك وجود وصحة اتفاق التحكيم ذاته، دون أن يكون ذلك من اختصاص المحكمة مباشرة. وقد تبنّى قانون التحكيم العُماني هذا المبدأ صراحة في المادة (22)، منظمًا بذلك حالات الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم وشروطه وآثاره.
تتناول هذه الدراسة تحليلًا تفصيليًا للمادة (22) من القانون العُماني مع مقارنتها بأنظمة التحكيم في دول مجلس التعاون الخليجي.
أولًا: تحليل نص المادة (٢٢) من قانون التحكيم العماني
1. الولاية المبدئية للفصل في الاختصاص (الفقرة 1)
نصت الفقرة (1) على أن لهيئة التحكيم أن تفصل في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها، بما في ذلك:
عدم وجود اتفاق التحكيم،
أو سقوطه،
أو بطلانه،
أو عدم شموله لموضوع النزاع.
> ويعني ذلك أن المشرع العماني أقر بمبدأ "الاختصاص بالاختصاص"، وهو ما يمنح هيئة التحكيم سلطة أولية في تقرير اختصاصها دون حاجة للجوء إلى القضاء في بداية الأمر.
2. الضوابط الإجرائية للدفوع (الفقرة 2)
يجب التمسك بدفوع عدم الاختصاص قبل أو عند تقديم مذكرة الدفاع الأولى.
لا يُعد تعيين المحكم أو الاشتراك في تعيينه تنازلاً عن الدفع.
الدفع بعدم شمول الاتفاق لأي مسألة مستجدة يجب أن يُقدّم فورًا.
يجوز لهيئة التحكيم قبول الدفع المتأخر إذا كان هناك سبب مقبول.
> وهذا يشير إلى أن النظام العُماني أخذ بمبدأ الإسقاط الإجرائي (waiver by delay)، لكنه فتح المجال للاستثناءات، مراعاةً للعدالة الإجرائية.
3. توقيت الفصل في الدفع وآثاره (الفقرة 3)
تفصل الهيئة في الدفع بعدم الاختصاص قبل الفصل في الموضوع، ما لم تقرر ضمه للموضوع.
إذا رُفض الدفع، فلا يجوز إعادة التمسك به إلا بطريق دعوى البطلان ضد الحكم التحكيمي النهائي.
ثانيًا: مقارنة مع قوانين التحكيم في دول مجلس التعاون الخليجي
1. الإمارات العربية المتحدة:
تنص المادة 23 من قانون التحكيم الاتحادي (رقم 6 لسنة 2018) على ذات المبدأ.
الفقرة (1) تؤكد أن لهيئة التحكيم الاختصاص بالفصل في وجود وصحة اتفاق التحكيم.
تقبل الدفع بعدم الاختصاص إذا أثير في الوقت المناسب، ما لم يكن هناك عذر مقبول.
إذا رفضت الهيئة الدفع، لا يجوز الطعن به إلا ضمن دعوى البطلان.
> تطابق شبه تام مع النص العُماني، مما يعكس توافقًا تشريعيًا في البيئة الخليجية.
2. المملكة العربية السعودية:
وفقًا للمادة (20) من نظام التحكيم السعودي لعام 2012:
لهيئة التحكيم أن تفصل في اختصاصها.
يجب التمسك بالدفع قبل مذكرة الدفاع الأولى.
يجوز ضم الدفع للموضوع.
إذا صدر حكم برفض الدفع، لا يجوز الطعن به إلا بطريق دعوى البطلان.
> النظام السعودي يستند إلى المبادئ الدولية ذاتها مع مراعاة التوافق مع الشريعة الإسلامية.
3. قطر:
نصت المادة (16) من قانون التحكيم القطري (رقم 2 لسنة 2017) على مبدأ "الاختصاص بالاختصاص".
تتطابق الأحكام الإجرائية تقريبًا مع القانون العماني.
للمحكمة المختصة الفصل في الدفع فقط عند الطعن بالبطلان.
4. البحرين:
في قانون التحكيم البحريني (القانون رقم 9 لسنة 2015 المعدل)، نصت المادة (23) على ذات المبدأ.
السلطة التقديرية لهيئة التحكيم مطلقة في تقرير اختصاصها.
5. الكويت:
نصت المادة (173) من قانون المرافعات المعدل بقانون التحكيم (رقم 10 لسنة 1997) على أن هيئة التحكيم تفصل في اختصاصها.
تختلف قليلاً من حيث الإجراءات، لكنها تحترم المبدأ ذاته.
ثالثًا: الملاحظات القانونية
تتفق جميع قوانين دول مجلس التعاون الخليجي على تكريس مبدأ الاختصاص بالاختصاص.
هناك توحيد كبير في مواعيد وإجراءات الدفع بعدم الاختصاص، مما يدعم إمكانية توحيد تشريعات التحكيم الخليجية مستقبلاً.
يتيح القانون العماني إمكانية قبول الدفع المتأخر إذا كان لسبب وجيه، وهو اتجاه أكثر مرونة مقارنة ببعض القوانين الأخرى التي تشترط الالتزام الصارم بالمواعيد.
ختاما" يؤكد قانون التحكيم العُماني في مادته (22) على حماية المبادئ الأساسية للتحكيم كوسيلة بديلة لحل المنازعات، وعلى رأسها مبدأ استقلالية هيئة التحكيم واختصاصها بالفصل في حدود ولايتها. وعند المقارنة مع الأنظمة القانونية الخليجية، يتبين أن هناك تقاربًا كبيرًا في البنية القانونية والفكر التحكيمي، مما يعزز الثقة في التحكيم الخليجي كمحور أساسي لجذب الاستثمارات وتسوية المنازعات التجارية والإنشائية بكفاءة وعدالة وسرعة وسرية.
المستشار الدكتور ناجي سابق# المحكم ناجي سابق # اختصاص هيئة التحكيم # اختصاص المحكم# التحكيم # المحكم# التحكيم التجاري #