الأحكام العامة في قانون التحكيم العماني
يشكّل التحكيم وسيلة فعالة ومرنة لحل المنازعات، خصوصًا في القضايا التجارية والاستثمارية المعقدة. وانطلاقًا من أهمية التحكيم كبديل للقضاء التقليدي، فقد نظم المشرّع العماني أحكامه من خلال قانون متكامل تضمّن المبادئ العامة، والإجراءات، وشروط التنفيذ. وقد نصّت المواد (1–9) من قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية على الأحكام العامة التي تُكوّن الإطار القانوني الذي يُبنى عليه النظام التحكيمي في سلطنة عمان.
أولًا: نطاق سريان قانون التحكيم العماني
تنص المادة (1) على أن القانون العماني يسري على:
أي تحكيم يُجرى داخل السلطنة، سواء تعلق بأشخاص من القانون العام أو الخاص.
التحكيم التجاري الدولي الذي يُجرى في الخارج إذا اتفق أطرافه على تطبيق القانون العماني عليه.
وهذا النص يؤكد على الطبيعة الشاملة للقانون، بحيث يغطّي التحكيم الوطني الداخلي والدولي على حد سواء، بشرط وجود رابط مكاني أو إرادي (أي الاتفاق على تطبيقه).
كما راعى المشرّع الاتفاقيات الدولية النافذة، التي تسود في حال التعارض مع القوانين الوطنية وذلك تعزيزًا لمكانة سلطنة عمان كمركز قانوني دولي يحترم الإلتزامات والاتفاقيات الدولية
ثانيًا: تعريف التحكيم التجاري
تضمنت المادة (2) تحديدًا دقيقًا للتحكيم التجاري، حيث يكون النزاع ذا طابع اقتصادي، سواء تعلق الأمر بعلاقات عقدية) كالبيع، المقاولة، الوكالة) أو غير عقدية -قانونية - ( كالمسؤولية التقصيرية أو المنافسة غير المشروعة او الاثراء بلا سبب).
وعددت المادة أمثلة عن العلاقات الاقتصادية، منها على سبيل المثال لا الحصر الوكالات التجارية – عقود التشييد – الاستثمارات – تراخيص السياحة والصناعة – البنوك – التأمين – استخراج الثروات – نقل التكنولوجيا – الطاقة والغاز – حماية البيئة
ويعكس هذا التنوع الواسع توجهًا واضحًا نحو دعم التحكيم كوسيلة مفضلة في النزاعات الاقتصادية بما يتماشى مع التحولات العالمية.
ثالثًا: تعريف التحكيم الدولي ومعاييره
وضعت المادة (3) أربعة معايير لتحديد ما إذا كان التحكيم دوليًا، وهي:
1. اختلاف دولة المركز الرئيسي لأعمال طرفي التحكيم.
2. الاتفاق على التحكيم لدى مركز أو منظمة خارج الدولة.
3. ارتباط موضوع النزاع بأكثر من دولة.
4. أن يكون مكان التحكيم أو التنفيذ أو محل العلاقة التجارية خارج الدولة، رغم أن أطراف النزاع في الدولة نفسها.
ويمثّل هذا التحديد اعتمادًا صريحًا لمعايير قانون الأونسيترال النموذجي، ويعزز من انفتاح سلطنة عمان على التحكيم الدولي كمجال جاذب للاستثمار الأجنبي.
رابعًا: المصطلحات والمفاهيم الأساسية
تهدف المادة (4) إلى ضبط المصطلحات القانونية، حيث نصت على:
أن لفظ "التحكيم" يشمل التحكيم المؤسسي وغير المؤسسي.
و"هيئة التحكيم" تعني المحكم أو مجموعة المحكمين.
و"المحكمة" تعني المحكمة التجارية أو دائرتها الاستئنافية حسب الحالة.
ويمثل ذلك توضيحًا مهمًا للتفسير القانوني المنضبط، ويمنع التضارب في الفهم أو التطبيق.
خامسًا: الترخيص للغير في اختيار الإجراءات
منحت المادة (5) الطرفين الحق في تفويض الغير لاختيار الإجراءات المتعلقة بالتحكيم، ويشمل الغير مراكز ومنظمات التحكيم داخل عمان أو خارجها.
وهذا يمنح الأطراف مرونة كبيرة في تنظيم تحكيمهم، ويمكنهم من الاستفادة من الخبرة المؤسسية للمراكز المتخصصة، خصوصًا في القضايا الفنية المعقدة.
سادسًا: حرية الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق
أقرت المادة (6) مبدأ حرية الإرادة، حيث يجوز للأطراف:
اختيار القانون الذي يحكم موضوع النزاع.
الاتفاق على إخضاع العلاقة لعقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو وثيقة خاصة.
وهو ما ينسجم مع المبادئ الحديثة للتحكيم، ويضمن التكييف القانوني المناسب للنزاع، ويجنب المحكمين فرض قواعد غير مرادة من الأطراف.
سابعًا: طرق الإبلاغ والاتصال
نظمت المادة (7) آليات التبليغ للطرف الآخر، بما يحقق التوازن بين الفعالية القانونية والعدالة الإجرائية، من خلال:
اعتبار التسليم صحيحًا إذا تم في مقر العمل أو محل الإقامة المعتاد أو العنوان البريدي.
إمكانية اعتبار الإعلان تمّ حتى مع غياب اليقين، إذا أُرسل إلى آخر عنوان معروف بعد التحري.
عدم تطبيق هذه الأحكام على الإعلانات القضائية.
ويظهر من هذا النص سعي المشرّع إلى ضمان سير التحكيم دون تعطيل بفعل التبليغ، مع مراعاة الحد الأدنى من الضمانات الشكلية.
ثامنًا: آثار الاستمرار في الإجراءات دون اعتراض
تعتبر هذه المادة (8) من اهم. اخطر المواد القانونية في التحكيم لأنها تشرع الخطأ غير المقصود ويعتبر اجراء صحيحا" اذا لم يتم الاعتراض عليه خلال مهلة 60 يوما" من معرفة المخالفة وبالتالي يعتبر عدم الاعتراض بنثابة تنازل ضمني عن الحق وبالتالي يُعد استمرار أحد الأطراف في إجراءات التحكيم مع علمه بمخالفة شرط أو حكم قانوني تنازلاً ضمنيًا عن الحق في الاعتراض، إذا لم يُبدِ اعتراضه في الميعاد المحدد
ويُقر هذا النص مبدأ حسن النية، ويمنع ما يُعرف بـ "التحفظات الانتهازية" التي تُثار لاحقًا لإبطال الحكم بعد المشاركة الكاملة في التحكيم.
تاسعًا: الاختصاص القضائي في مسائل التحكيم
حددت المادة (9) الجهة القضائية المختصة بالفصل في المسائل التحكيمية وهي:
المحكمة التجارية (أصليًا).
الدائرة الاستئنافية بها (في القضايا الدولية، سواء داخل عمان أو خارجها).
ويُبرز هذا التنظيم رغبة المشرّع في إضفاء التخصص القضائي على قضايا التحكيم، ويعزز من كفاءة الرقابة القضائية، دون أن يُضعف استقلالية التحكيم
المستشار الدكتور ناجي سابق# قانون التحكيم العماني# ناجي سابق # المحكم ناجي سابق# القاضي الخاص# قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية في سلطنة عمان # التحكيم التجاري# الاعتراض# التنازل الضمني #