القواعد الإجرائية الجوهرية في التحكيم
التحكيم هو اهم وسيلة بديلة لتسوية المنازعات المدنية والتجارية بشكل وظي بعيظا" عن القضاء ، وهو يتميز بالسرعة والسرية والمرونة مقارنة بالتقاضي أمام المحاكم، وقد حاز اهتمامًا متزايدًا في التشريعات الوطنية والدولية على حد سواء. غير أن هذا البديل لا يمكن أن يُشكّل نظامًا عدليًا قائمًا بذاته ما لم يكن محكومًا بمجموعة من القواعد الإجرائية الجوهرية التي تكفل تحقيق العدالة للطرفين المتنازعين. لذلك تأتي أهمية هذه القواعد بوصفها الضمانة الأساسية لاحترام المبادئ القانونية، وتحقيق التوازن بين سرعة الفصل في المنازعات وضمانات المحاكمة العادلة بشكل سري بعيدا" عن علنية الجلسات
●أولًا: مبدأ الحيادية والاستقلالية
تُعتبر حيادية هيئة التحكيم ونزاهتها من أهم الشروط الإجرائية التي تضمن الثقة في العملية التحكيمية. ويُقصد بالحيادية عدم انحياز المحكم لأي من طرفي النزاع، بينما تعني النزاهة التزام المحكم بمبادئ الاستقلالية والشفافية. ويتوجب على المحكم الإفصاح عن أية ظروف قد تثير شكوكًا في حياديته واستقلاليته أو استعداده للفصل في النزاع بموضوعية. ويؤدي الإخلال بهذا المبدأ إلى الطعن في تشكيل الهيئة التحكيمية، بل وقد يترتب عليه بطلان الحكم الصادر عنها.
●ثانيًا: مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الأطراف
ان قوانين التحكيم الوطنية والاتفاقيات الدولية وعلى رأسها قانون الأونسيترال النموذجي،واتفاقية نيويورك على وجوب معاملة أطراف التحكيم على قدم المساواة. ويشمل هذا المبدأ منح كل طرف الفرصة الكاملة لتقديم حججه وأدلته والرد على ادعاءات الطرف الآخر دون تمييز أو تقييد. وتكمن أهمية هذا المبدأ في كونه يُرسّخ الثقة المتبادلة ويحول دون شعور أحد الأطراف بالغبن أو الإقصاء من الإجراءات.
وعايه يعامل طرفا النزاع على قدم المساواة وتهيأ لكل منهما فرصة متكافئة وكاملة لعرض دعواه.
●ثالثًا: حق الاطلاع على المستندات وتبادلها والتعقيب عليها
يُعد حق كل طرف في الاطلاع على المستندات المقدمة من الطرف الآخر جزءًا لا يتجزأ من مبدأ المواجهة وحق الدفاع. ويشمل هذا الحق إمكانية فحص الوثائق وتقديم الملاحظات بشأنها، ما لم يكن هناك موانع قانونية أو اتفاق صريح بخلاف ذلك. وتُعتبر هذه القاعدة أساسية في التحكيم التجاري، خاصةً عندما تنطوي النزاعات على مستندات فنية أو مالية معقدة بحيث يجب عرضها على الهيئة واطراف النزاع للتعليق والتعقيب عليها ضمن مهلة زمنية تحددها هيئة التحكيم وتكون متساوية للطرفين
●رابعًا: حق الدفاع وسماع الأطراف
يشكل حق الدفاع إحدى الضمانات الجوهرية في أية إجراءات قضائية أو شبه قضائية، ويقتضي أن يُمنح كل طرف فرصة كاملة لتقديم أقواله وأدلته، واستجواب شهود الطرف الآخر، وتقديم المذكرات والمرافعات القانونية. ويُعتبر تجاهل هذا الحق من الأسباب الجوهرية لبطلان حكم التحكيم، حتى وإن كان الحكم صائبًا من الناحية الموضوعية ولذلك يعتبر حق الدفاع من اهم الضمانات الجوهرية في التحكيم والذي يقود الى البطلان مباشرة في حال اغفاله.
●خامسًا: وجوب تسبيب الأحكام التحكيمية
من المبادئ الأساسية في التحكيم أن تكون الأحكام مسببة، أي تحتوي على الأسباب القانونية والواقعية التي بُني عليها الحكم. فالتسبيب يضمن شفافية القرار، ويسمح للأطراف بفهم الأساس الذي استندت إليه الهيئة، كما يُسهل مهمة المحكمة في حالة الطعن بالبطلان. وقد تُجيز بعض القوانين أو اتفاقات الأطراف الاستغناء عن التسبيب، غير أن الأصل هو وجوب التسبيب لضمان سلامة الحكم وعدالته.
علما" ان حكم التحكيم يجب ان يسبب من خلال النصوص القانونية وبالادلة الواقعية والحجج التي بني عليها الحكم مقارنة مع طلبات الخصوم ومستنداتهم وادلتهم.
●سادسًا: مبدأ سرية الجلسات والاجراءات في التحكيم
تُعد السرية من السمات المميزة للتحكيم مقارنة بالتقاضي أمام القضاء العلني. وتشمل هذه السرية الإجراءات والمستندات والمداولات، خصوصًا في القضايا التجارية أو التي تتضمن معلومات حساسة أو أسرارًا صناعية. وتُعزز السرية ثقة الأطراف في التحكيم، كما تحمي مصالحهم التجارية والاقتصادية المبنية على الثقة والائتمان.
●سابعًا: تحديد لغة ومكان التحكيم
ينبغي تحديد لغة التحكيم في الاتفاق التحكيمي أو في أول جلسة من جلسات التحكيم،في الجلسة الاجرالية الاولى او في وثيقة المهمة ويجب أن تكون مفهومة لجميع الأطراف، أو تُرفق معها الترجمة اللازمة وفقا" للقانون الواجب التطبيق كما أن تحديد مكان التحكيم يُعد أمرًا جوهريًا، من حيث الجانب الإجرائي ومن حيث القانون الواجب التطبيق والمحاكم المختصة برقابة التحكيم أو التنفيذ.
●ثامنًا: التقيد باتفاق التحكيم المكتوب
تلتزم هيئة التحكيم بالشروط التي حددها اتفاق التحكيم الذي اوجب القانون ان يكون مكتوبا" تحت طائلة البطلان سواء تعلّقت بعدد المحكمين، أو الإجراءات الواجب اتباعها، أو نطاق النزاع المحدد. ويشكل الخروج عن هذه الشروط إخلالًا جسيمًا بالإجراءات، يعرّض الحكم للتحصين من التنفيذ أو الطعن بالبطلان.
●تاسعًا: إخطار الأطراف بالإجراءات
يُعد إخطار الأطراف بكافة الإجراءات والقرارات الصادرة عن الهيئة واجبًا أساسيًا لتحقيق مبدأ المواجهة وتمكينهم من ممارسة حقوقهم والرد والتعقيب ويشمل ذلك مواعيد الجلسات، وتبادل المستندات، وإصدار الأحكام أو القرارات التمهيدية والمعاينة وندب الخبراء ويُبطل الإخلال بالإخطار السليم العديد من الأحكام نظرًا لما يُسببه من ضرر للأطراف غير المبلغين وهو وارد في النص المحدد على سبيل الحصر لاسباب البطلان
●عاشرًا: المرونة الإجرائية ومراعاة العدالة
يمنح قانون التحكيم العماني، على غرار قانون الأونسيترال، هيئة التحكيم سلطة تقديرية في اعتماد الإجراءات التي تراها مناسبة، ما لم يكن هناك اتفاق مخالف. وهذه المرونة تهدف إلى تحقيق العدالة الفعلية، مع مراعاة طبيعة النزاع بين الأطراف، وتيسير الإجراءات بما يضمن الفعالية دون المساس بالحقوق الجوهرية وعليه اعطى القانون لطرفي التحكيم تحديد القانون الواجب التطبيق واوجب العمل بأحكام اي وثيقة يتم اختيارها والتوافق عليها بما تشمله من احكام خاصة بالتحكيم
●
نختم بالقول ان القواعد الإجرائية الجوهرية في التحكيم تشكل حجر الزاوية في بناء نظام عدالة بديلة فعّالة تحترم المبادئ الأساسية للحق والدفاع. فهذه القواعد تضمن حسن سير العملية التحكيمية و تُعزز من شرعيتها ومصداقيتها، وتُطمئن الأطراف إلى أن قرارات هيئة التحكيم قد بُنيت على أسس قانونية عادلة، تكفل احترام إرادتهم وتحفظ حقوقهم. ومن ثم، فإن تكريس هذه القواعد وتطبيقها بدقة يُعد ضمانة رئيسية لاستمرار التحكيم كوسيلة محورية في تسوية المنازعات بالطرق السلمية خصوصًا في البيئات القانونية التي تسعى لتعزيز مناخ الاستثمار الاجنبي وكل ذلك مبني على الثقة بالتحكيم والهيئة التحكيمية واستقلاليتها واستقامتها وحياديتها فضلا" عن تطبيق اتفاق التحكيم وعدم مخالفة القانون الواجب التطبيق والتزام حدود النزاع والاجراءات الصحيحة واحترام النظام العام
* بقلم المستشار الدكتور ناجي سابق
المحكم ناجي سابق# المحكم# التحكيم # قضاء التحكيم # القواعد الاجرائية في التحكيم #القواعد الجوهرية في التحكيم