التحكيم والنظام العام

بقلم : د. ناجي سابق
عدد الزيارات: 8

التحكيم والنظام العام

التحكيم والنظام العام - في القانون العماني والتحكيم الوطني والدولي-

يمثّل النظام العام أحد أبرز المبادئ القانونية التي تحرص الدول على تكريسها لضمان حماية المصلحة العامة واستقرار المجتمع، سواء في مجال القضاء أو في إطار التحكيم. ورغم طابعه الثابت من حيث الجوهر، فإن النظام العام يبقى مفهومًا مرنًا يتكيّف مع تطور حاجات المجتمع والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة.

أولًا: تعريف النظام العام
النظام العام هو مجموعة القواعد والمبادئ الأساسية التي تضعها الدولة من أجل حماية المصلحة العامة، وهي قواعد لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها أو تجاوزها، حتى برضى الطرفين. فهو يعلو على إرادة الأفراد ويشكل حدًا فاصلًا بين ما يجوز الاتفاق عليه وما لا يجوز.

ثانيًا: الطبيعة المرنة للنظام العام
يتميّز النظام العام بأنه فكرة مرنة قابلة للتجديد، ولا يخضع لتعريف جامد أو محدد. إذ يختلف من دولة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر، بحسب ما تراه الدولة ضروريًا لحماية أمنها ومصالحها العليا. وهذا ما يمنح النظام العام قوةً تفسيريةً قد تتغير بحسب السياق الاجتماعي والسياسي.

ثالثًا: حدود تفسير النظام العام
رغم أهمية النظام العام، إلا أن القاعدة الأصولية تقتضي عدم التوسع في تفسيره، كي لا يُستعمل كذريعة لتعطيل مبدأ سلطان الإرادة أو للمساس بحرية التعاقد. فالتفسير الموسع قد يؤدي إلى تهديد الأمن القانوني وتقييد حرية الأفراد.

رابعًا: الغرض من النظام العام
الغرض الأساس من النظام العام هو حماية المصلحة العامة، ويتجلى ذلك في الحفاظ على:

الأمن العام: ضمان استقرار الدولة ومؤسساتها.

الآداب العامة: حماية القيم الأخلاقية والثقافية السائدة.

الصحة العامة: منع كل ما يهدد الصحة والسلامة.

الاستقرار المجتمعي: منع زعزعة التوازن الاجتماعي.

خامسًا: القواعد الآمرة المرتبطة بالنظام العام
تُعتبر القواعد الآمرة التي يضعها المشرّع لمصلحة المجتمع، من صلب النظام العام. وتشمل تلك القواعد التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، مثل القواعد المتعلقة بالأحوال الشخصية، الجنسية، النظام الاقتصادي، وحماية المستهلك.

سادسًا: ما لا يُعتبر من النظام العام
لا تدخل القرارات الوزارية الإجرائية أو التنفيذية والإدارية ضمن نطاق النظام العام. فهذه القرارات قد تخضع للتعديل والتغيير حسب السياسة الحكومية، ولا تتمتع بالقوة الإلزامية التي تميز قواعد النظام العام.

سابعًا: النظام العام في القضاء العماني
كرّس القضاء العماني مبدأ النظام العام باعتباره أحد مصادر المشروعية، ويُثار النظام العام أمام المحاكم تلقائيًا حتى ولو لم يتم الدفع به من أحد الخصوم. كما أن القاضي ملزم بإبطال أي اتفاق يخالف النظام العام ولو وافق عليه الأطراف.

ثامنًا: النظام العام في التحكيم العماني
يُعد النظام العام من الضوابط الجوهرية في التحكيم العماني، حيث لا يجوز صدور حكم تحكيمي يخالف النظام العام العماني، ولو وافق الأطراف على مضمونه. وتُجيز المحاكم العمانية الطعن ببطلان الحكم التحكيمي إذا ثبت مخالفته للنظام العام.

تاسعًا: النظام العام الوطني والدولي

النظام العام الوطني: يشير إلى مجموعة القواعد الملزمة داخل الدولة، التي تحمي مصالحها الأساسية.

النظام العام الدولي: يُعنى بمبادئ العدالة الأساسية في العلاقات الدولية، والتي تُعد من النظام العام بين الدول، مثل منع الاتجار بالبشر، أو عدم الاعتراف بالأنظمة العنصرية.

عاشرًا: قواعد ضمان تحقيق العدالة
يدخل ضمن مفهوم النظام العام القواعد التي تضمن تحقيق العدالة الإجرائية، مثل احترام حق الدفاع، وعلانية المحاكمات، وحياد القاضي. وهذه القواعد لا يجوز مخالفتها حتى في إطار التحكيم أو الاتفاقات الخاصة.

أهم خصائص النظام العام

1. العمومية: تسري قواعده على الجميع دون استثناء.

2. المصلحة العامة: تهدف إلى حماية المجتمع لا الأفراد فقط.

3. المرونة: تتغيّر قواعده بحسب التحولات الاجتماعية والسياسية.

4. النسبية: قد تتفاوت قواعد النظام العام من بلد إلى آخر.

5. التمدّد والانكماش: يتسع أو يضيق نطاقه بحسب حاجة الدولة.

عليه إن النظام العام يشكّل دعامة أساسية للنظام القانوني، يضمن التوازن بين حرية التعاقد وحماية المجتمع. ورغم مرونته، إلا أن التوسع في تفسيره يجب أن يكون مقيدًا بمبادئ العدالة واليقين القانوني. ويظل دوره محوريًا سواء في القضاء الوطني أو في فض المنازعات عن طريق التحكيم، لما له من علاقة وثيقة بحماية مصالح الدولة وحقوق الأفراد.

 بقلم المستشار الدكتور ناجي سابق
# القانون العام # التحكيم والقانون العام # المحكم ناجي سابق# احترام القانون العام في التحكيم 


قنوات التواصل

مسقط ، سلطنة عمان

naji.sabek@hotmail.com

+9613606501