المسؤولية العقدية والتقصيرية للمحكم

بقلم : د. ناجي سابق
عدد الزيارات: 6

المسؤولية العقدية والتقصيرية للمحكم

المسؤولية العقدية والتقصيرية للمحكم في القانون العماني

 التحكيم بديلاً فعالاً للتقاضي التقليدي، وهو يعتمد بشكل جوهري على ثقة الأطراف في نزاهة وكفاءة المحكم. وفي سلطنة عمان، التي تبنت نظاماً قانونياً متطوراً للتحكيم بموجب القانون الموحد للتحكيم في المنازعات المدنية والتجارية (الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 47/1997 وتعديلاته)، تنشأ مسؤولية المحكم من مصدرين رئيسيين المسؤولية العقدية كون ان علاقة المحكم مع اطراف الدعوى التحكيمية هي علاقة عقدية تبدأ من تاريخ قبول المحكم المهمة وتقديمه الافصاح بالقبول وعدم وجود اي مصلحة بينه وبين الاطراف مع التصريح بحياده واستقلاليته. والمسؤولية التقصيرية التي تعتبر مسؤولية مبنية على الخطأ والتقصير والاضرار بالغير 

● أولاً: الأساس العقدي لمسؤولية المحكم (المسؤولية العقدية):

1. طبيعة العلاقة (عقد الوكالة):ينعقد بين المحكم واطراف النزاع في القضية التحكيمية  (أو الجهة المعينة له) بمجرد قبوله للمهمة. تُصنف هذه العلاقة قانوناً في الغالب على أنها (عقد وكالة) بموجب أحكام القانون المدني العماني (المرسوم السلطاني رقم 29/2013)، خاصة المواد (643-644) وما يليها. فالمحكم هو وكيل عن الأطراف لتسوية نزاعهم وفقاً لشروط اتفاق التحكيم والقانون ولكنه ليس وكيل قانوني للطرف الذي سماه او عينه وليس هناك اي علاقة تبعية بينهما والا يفقد الحياد والاستقلالية  
2.  مصدر الالتزام:
 تنشأ المسؤولية العقدية للمحكم من خلال (اخلاله بالتزامات تعاقدية) صريحة أو ضمنية تنشأ عن اتفاقية التحكيم الموقعة بين الاكراف والمحكم الذي قبل بها ضمن الشروط المتفق عليها بين الأطراف.
    ويعتبر قبول المحكم بالمهمة التحكيمية للفصل في النزاع القائم بين الاطراف هو التزام ضمني بأداء المهمة بحسن نية ودراية وادارك ومسؤوليه تامة
   ويحدد قانون التحكيم الواجب التطبيق  الالتزامات المنصوص عليها والتي يجب على المحكم فهمها وتطبيقها   كالالتزام بالحياد والاستقلالية و الالتزام بالإفصاح عن أي ظروف قد تثير شكوكاً حول حياده .
 كذلك الالتزام بإدارة إجراءات التحكيم بعدالة وفعالية ومساواة ، بما في ذلك منح كل طرف فرصة كاملة لعرض دعواه وإصدار الحكم في المدة المتفق عليها أو المقررة قانوناً فضلا عن
 إصدار حكم تحكيم وفقاً لأحكام القانون المتفق عليه، ومراعاة بنود العقد والعرف وعدم الاخلال بالنظام العام 

3. عناصر المسؤولية العقدية:
    أ-  الخطأ:
 (الإخلال بالالتزام) أي تصرف أو امتناع يخالف الالتزامات المذكورة أعلاه  التأخير غير المبرر، التحيز، الإفصاح غير الكامل، مخالفة إجراءات جوهرية، إصدار حكم مخالف للقانون المتفق عليه بشكل جوهري.
   ب- الضرر:
 يجب أن يثبت الطرف المتضرر (أحد أطراف التحكيم) أنه لحقه ضرر مادي أو معنوي نتيجة إخلال المحكم بالتزامه مما ادى الى دفع تكاليف تحكيم ضائعة، خسائر تجارية نتيجة التأخير، تكاليف الدفاع في دعوى بطلان.

  ج- علاقة السببية:
 يجب أن يكون هناك رابط سببي مباشر بين خطأ المحكم (الإخلال بالالتزام) والضرر الذي وقع واصحاب احد الاطراف وهذا يجب ان يتم اثباته بشكل قانوني واضح مع الادلة والمستندات والبىاهين والا يكون تصرف كيدي ضد المحكم يسمح له ان يقدم دعوى قانونية ضد الطرف المعتدي عليه معنويا" وماديا" . 

● ثانياً: الأساس القانوني العام لمسؤولية المحكم (المسؤولية التقصيرية):

1. طبيعة المسؤولية: تستند هذه المسؤولية إلى القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية المنصوص عليها في القانون المدني العماني، خاصة المادة (61) التي تقضي بأن "كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض". فهي مسؤولية تنشأ عن الإخلال بواجب قانوني عام يفرضه القانون على الجميع (واجب عدم الإضرار بالغير).

2.  مصدر الالتزام:
 واجب الحيطة والحذر العام المفروض على كل شخص، بما فيهم المحكم، وواجب عدم التسبب بضرر للآخرين. قد يتداخل هذا الواجب مع الالتزامات التعاقدية، ولكنه أوسع نطاقاً.
3.  عناصر المسؤولية التقصيرية:
    أ- الخطأ :
(الفعل الضار)أي فعل أو امتناع عن فعل  يُعد مخالفة للواجب القانوني العام (الإهمال، التهور، الخطأ الاحتيالي ، إساءة استعمال السلطة). كل هذا  لا يشترط وجود عقد لكن يكفي ثبوت خطأ المحكم الذي يخالف الواجب العام.

   ب- الضرر:
 نفس متطلبات إثبات الضرر في المسؤولية العقدية.

   ج- علاقة السببية:
 نفس متطلب الرابطة السببية المباشرة بين الخطأ والضرر.
عليه تبرز المسؤولية التقصيرية للمحكم في الحالات التي:
    *   لا يوجد عقد صريح أو يصعب إثباته كأساس للمسؤولية (رغم أن العلاقة تعاقدية في الأصل).
    *   يتجاوز إخلال المحكم حدود الإخلال التعاقدي ليصل إلى درجة الفعل الضار الموجب للمسؤولية التقصيرية ( الاحتيال، التحيز المتعمد، الإفصاح الخاطئ )

● تالثا" : التطبيقات القضائية والتوازن المطلوب:

*   إبطال الحكم: يعتبر حكم المحكمة (خصوصاً محكمة الاستئناف العليا) بإبطال حكم التحكيم (بموجب المادة 53 من قانون التحكيم) دليلاً قوياً على احتمال وقوع خطأ جسيم من قبل المحكم قد يرتقي لدرجة الإخلال التعاقدي أو الفعل الضار الموجب للمسؤولية. ولكنه ليس دليلاً كافياً بذاته؛ فلا بد من إثبات عناصر المسؤولية (الخطأ، الضرر، السببية) في دعوى مستقلة للتعويض.
*   التوازن بين المسؤولية والاستقلال:  يفرض النظام القانوني العماني توازناً دقيقاً. فمن ناحية، ضرورة مساءلة المحكم عن أخطائه الجسيمة لضمان جودة التحكيم وثقة الأطراف. ومن ناحية أخرى، ضرورة حماية استقلال المحكم وحريته في اتخاذ القرارات القضائية دون خوف من دعاوى كيدية، وهو ما تؤمنه الحصانة النسبية للمحكم .

من الاهمية القانونية ان نشير الى ان مسؤولية المحكم تقوم فقط في حالة( الخطأ الجسيم) ، اي (الخطأ الفادح) الذي لا يرتكبه الرجل العادي ، او (الاهمال الفاحش البين) الذي يشكل( انحرافا" جسيما") عن السلوك الطبيعي للمحكم او الخطأ الجوهري الذي اثر على حقوق الاطراف من خلال (الانحراف الفادح) عن الواجبات الجوهرية للمحكم .

 عليه فإن كل تصرف طبيعي من المحكم وفقا" لاتفاق التحكيم والقانون الواجب التطبيق والتزامه بالحياد والاستقلالية  لا يؤثر مطلقا" بمسؤولية المحكم القانونية والعقدية والتقصيرية  ولا يجوز مطالبته نهائيا" مدنيا" او جزائيا" واي تصرف او ملاحق كيدية للمحكم توجب عليه تقديم شكوى قانونية امام المرجع القضائي المختص بأي طرف حاول النيل منه او الضغط عليه والتشهير بسمعته والاضرار به ماديا" ومعنويا" جراء المهمة التحكيمية .   


المستشار الدكتور ناجي سابق # المحكم ناجي سابق# المحكم # التحكيم # التحكيم التجاري # هيئة التحكيم # التحكيم الدولي# مسؤولية المحكم #المسؤولية التصيرية للمحكم# المسؤولية غير العقدية # الخطأ الجسيم #  المسؤولية العقدية للمحكم# الدكتور ناجي سابق


قنوات التواصل

مسقط ، سلطنة عمان

naji.sabek@hotmail.com

+9613606501