واجبات المحكم
يجب على المحكم أن يلتزم بقواعد قانون أصول المحاكمات المدنية (المرافعات المدنية) عند القيام بمهمة التحكيم، وإلا فإن القرار التحكيمي الذي يصدره يكون عرضة للبطلان من قبل المحكمة المختصة. إن المحكمين هم قضاة اتفاقيون، فيجب عليهم أن يراعوا أحكام القانون الموضوعية والشكلية. كذلك من الممكن أن يطبقوا الأعراف والعادات الاجتماعية وبالأخص في مجال النشاط التجاري. حيث تعتبر الأعراف والعادات الموافقة للقانون من ضمن القواعد التي يتعين على المحكم احترامها.
ومن الجدير بالذكر، أن المشرع قد ألزم المحكمين التقيد بالقواعد الموضوعية للقانون وأجاز للخصوم الاتفاق على إعفاء المحكم من الالتزام بالقواعد الشكلية دون الموضوعية، وذلك بناءً للثقة الكبيرة من قبل الخصوم، وعليه يكونوا غير ملزمين التقيد بكل قواعد قانون أصول المحاكمات المدينة.
وعليه فإن القاعدة العامة تقضي بأن اتفاق الأطراف هو الأصل أي بمعنى أن الخصوم هم الذين يتفقون مقدماً على القواعد والإجراءات التي يجب أن يسير عليها أو يتقيد بها المحكمون، فإن لم يوجد مثل هذا الاتفاق تكون هيئة التحكيم حرة في اتباع الإجراءات التي تراها مناسبة. وهذا الاتجاه نجد أصوله في مبدأ سلطان الإرادة إذ أن هذا الموقف يعزز إرادة الأطراف ويعطي لهيئة التحكيم المجال الأوسع لاختيار الإجراءات المناسبة أي تطبق القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع مع مراعاة شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية.
وكذلك الحال بالنسبة للقانون الفرنسي، إذ أن الفكرة السائدة في هذا القانون هي أن المحكم هو قاضي ويجب عليه نظرياً مراعاة القواعد الأساسية والشكلية التي يفرضها القانون على المحاكم الرسمية، هذا بالإضافة إلى أن المحكمين ملزمين أيضاً بمراعاة الأشكال والمواعيد القضائية والإجراءات المقررة للمحاكم والتي يقصد بها كل المواعيد والإجراءات المتبعة أمام المحاكم الابتدائية أياً كانت المحكمة التي يدخل في اختصاصها النظر في النزاع لو لم يتم عرضه على هيئة التحكيم، فالجزاء المترتب على عدم التقيد بهذه الإجراءات والمواعيد القضائية التي نص عليها القانون هو أن تكون تلك القرارات التحكيمية التي يصدرها المحكمون عرضة للإلغاء من قبل المحاكم الاستئنافية.
ويجوز الاتفاق على إعفاء المحكمين من بعض الشروط والقواعد القانونية للإجراءات أي الإعفاء من التقيد بالقواعد الشكلية. كما يمكن للخصوم إعفاء المحكمين من التقيد بقواعد القانون الموضوعية وتخويلهم بموجب اتفاق خاص السلطة ليكونوا محكمين طلقاء يحكمون بمقتضى قواعد العدل والإنصاف وليس بمقتضى قواعد القانون الموضوعية. وقد ميز المشرع الفرنسي بين المحكمين والمحكمين الطلقاء زاعماً أن الحكام ملزمون بكل التحقيقات مع الخصوم وفي إصدار حكمهم تبعاً للإجراءات الشكلية للقانون.
بالإضافة إلى أنهم ملزمون أيضاً باتخاذ قرارهم طبقاً لدقة القانون أو النظام القانوني، في حين أن المحكمين الطلقاء قادرون على مصالحة الأطراف بدون أي إجراء شكلي وبإمكانهم إتباع قواعد العدل في قراراتهم بدلاً من قواعد القانون. وهذا التمييز قد جاء به قانون الإجراءات لعام 1806 وتناوله المشرع الفرنسي مرة أخرى في قانون عام 1980. علماً أن القواعد الأساسية التي يتبعها المحكمون الطلقاء لا توجب بأن يكون المحكمين منصفين فقط بل لابد من أن يقدموا الدليل على ذلك.
هذا ولابد من الإشارة بأن كلاًّ من التشريعين المصري والعراقي قد تناولا تقسيم التحكيم على غرار التقسيم الفرنسي مع اختلاف في التسمية وهو تقسيم التحكيم إلى نوعين تحكيم بالقضاء وتحكيم بالصلح. ولما كان التحكيم هو استثناء من القاعدة العامة التي تقضي بوجوب اللجوء إلى قضاء الدولة في حل كل المنازعات التي تحدث، وبما أن هذه القاعدة هي من النظام العام، والتي لا يجوز مخالفتها فإن من الواجب على المحكمين الفصل فقط في النزاع المعين والمحدد في اتفاق التحكيم ومن قبل الخصوم أنفسهم فلا يجوز لهم الفصل في أي نزاع آخر ولو كان مرتبطاً بالنزاع الأصلي الذي هو محل اتفاق التحكيم.
أما بخصوص الطلبات العرضية أو الفرعية التي قد يتقدم بها الخصوم إلى هيئة التحكيم، فإن سلطة المحكمين يتم تحديدها وبدقة من قبل الخصوم في اتفاق التحكيم، فلا يجوز لهم الفصل في أي من الطلبات الإضافية وإن كانت مرتبطة بالنزاع الأصلي الخاضع لسلطة المحكمين.
ونرى أنه ليس هناك ما يمنع بأن تمنح للمحكمين سلطة النظر في الطلبات العرضية والإضافية المقدمة من قبل الخصمين سواء اتفق الأطراف على جواز نظر المحكمين للطلبات العرضية أم لم يتفقوا على ذلك وهذا يكون من خلال منح المحكم في هذه المسألة بعضاً من السلطة التقديرية في أن يأخذ بالطلبات المقدمة من قبل الخصمين أو لا يأخذ بها ويلاحظ انعكاس هذا الرأي بوضوح في الغاية الأساسية المرجوة من هذا النظام وهو حسم النزاع بأقصر وقت ممكن وهذا مالا يمكن تحقيقه إذا كان يتطلب من الخصوم الرجوع إلى القضاء في كل الإجراءات التي يقومون بها، لأن الهدف الأساسي من التحكيم هو فصل النزاع بسرية وسرعة.
كذلك لابد من احترام المبادئ الأساسية(* للتوسع انظر الدكتور ناجي سابق،قواعد واجراءات التحكيم ) في التقاضي، لأن المحكم هو بمثابة القاضي، ومن الواجب على المحكمين أن يتقيدوا ويحترموا هذه المبادئ لأنها الأساس بالنسبة للقضاء العادي أو لقضاء التحكيم كتلك المبادئ التي تقتضي بالمساواة بين الخصوم فيجب دعوة الخصوم كليهما لحضور إجراءات الإثبات بحيث لا يجوز للمحكم النظر في أي طلب يقدمه أحد الخصوم دون إطلاع الخصم الآخر عليه، وكذلك مبدأ احترام حقوق الدفاع وعلى هذا فيجب أن يكون الخصوم على علم بالمواعيد التي تعقد فيها الجلسات حتى يتمكنوا من إعداد دفاعهم أو تقديم المستندات التي تثبت حقوقهم.
إضافة إلى أن للمحكمين سلطة الأمر للبدء بإجراءات الإثبات المختلفة كالاستعانة بالخبراء أو سماع شهادة الشهود أو كشف ومعاينة الأماكن.
المحكمون يمتلكون أغلب ما يمتلكه القضاة من صلاحيات إلا أنهم لا يمتلكون سلطة الجبر التي هي للقضاة، وبالتالي فلا يجوز له إلزام الشاهد بالحضور وفرض غرامة عليه إن لم يحضر، بل أن للمحكمين في مثل هذه الحالة جواز مراجعة المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع لاتخاذ الإجراء اللاّزم بهذا الشأن، كذلك فإنهم لا يستطيعون إلزام الغير أو الخصم بتقديم ما تحت يده من مستندات كما أنه إذا كانت الجلسة علنية فليس لهم السلطة بإخراج أي شخص أو حبسه لعدم امتثاله لأمرهم رغم أن معظم الجلسات التحكيمية تأخذ طابع السرية.
• حقوق المحكم
لا يجوز أن يكون عمل المحكم تبرعاً، إنما هو عمل يؤديه مقابل أجر يُتفق عليه مع الخصوم ويتم تحديده وكيفية الوفاء به.
لذلك نصت التشريعات أن هناك عدة امتيازات وحقوق يجب أن يتمتع بها المحكم، ولعل أولها حقه في التكاليف أي الأتعاب ومصاريف عملية التحكيم. التي يتم تحديدها باتفاق الخصوم عليها في عقد التحكيم أو اتفاق لاحق وإلا فتحددها المحكمة المختصة بنظر النزاع في مكان مركز التحكيم.
وعليه، نجد أن للمحكمين الحق في أجرة كاملة تشمل أتعابهم ومصاريف عملية التحكيم والنفقات الضرورية من أجل حسن سير العملية التحكيمية، وهذه الأجرة تحدد مسبقاً من قبل الخصوم أو تحدد في اتفاق لاحق. وإذا لم يتفقوا عليها فإن المحكمة المختصة هي التي تحدد الأجرة ويكون قرارها قابلاً للطعن.
وتأسيساً على ذلك فإن المحكم يستحق الأتعاب متى ما قام بعملية التحكيم على أتم وجه، والذي يبدو أن مفهوم الأتعاب أو الأجور مفهوم واسع لذا لابد من معرفة ماذا يراد به بالتحديد، حيث الذي يقصد بالأتعاب هي كل الأجور التي يستحقها المحكم نظراً لما بذله من جهد فعلي في عملية التحكيم. وتشمل هذه الأتعاب أيضاً كل ما فاته من كسب بسبب أشغاله بفض النزاع التحكيمي، وتشمل أيضاً كل النفقات التي أنفقها المحكم من نفقات سفر أو إقامة ونفقات بدل استخدام كاتب أو مراسل وكل ما أنفقه المحكم من أجل الحصول على وثائق رسمية مهمة وغيرها من النفقات والمصاريف في سبيل العملية التحكيمية.
ومن الطبيعي أن الذين يتحملون الأتعاب فهم طبعاً الخصوم، ولكن قد يتبادر إلى الذهن السؤال الذي يستفهم عن كيفية تقسيم دفع الأجرة بين الخصوم؟ حيث يذهب جانب من الفقه القانوني الفرنسي إلى أنه يجب اعتبار الخصمان متضامنين في دفع المصاريف القضائية وأتعاب المحكم وهذا الرأي يأتي قياساً على حالة تعيين وكيل عن عدة أشخاص فإن جميع الموكلين يكونون متضامنين قبل الوكيل في تنفيذ الوكالة ما لم يتفق على غير ذلك.
أما بالنسبة للقضاء فقد قضى على أن الطرف الذي يخسر الدعوى التحكيمية هو الذي يتحمل مصاريف التحكيم قياساً على الدعوى التي ترفع أمام القضاء العادي. ويبدو أن الرأي الراجح والأقرب إلى العدالة أن يتحمل الطرف الذي خسر الدعوى كل المصاريف القضائية للدعوى التحكيمية باستثناء أجور وأتعاب المحكمين فإنها تكون بالتضامن بين الخصمين، ذلك لأن أساس اللجوء للتحكيم هو اتفاق الطرفين وقبولهم بالمهمة التي تقوم بها هيئة التحكيم، ومن ثم فهم ملزمون بدفع أتعابها بالتضامن فيما بينهم.
علماً أنّ القاعدة العامة تقضي بأن المحكم يستحق أتعابه عند القيام بمهمته والانتهاء من عملية التحكيم بصدور القرار التحكيمي بغض النظر عما يؤول إليه هذا القرار من إبطال أو تعديل أو تصديق من قبل المحكمة المختصة. حيث تدفع بالتراضي من قبل الخصوم وإلا فتكون عن طريق دعوى مستقلة للمطالبة بالأتعاب عن طريق القضاء.
أما إذا كان القرار التحكيمي قد أبطل بسبب يرجع إلى إهمال أو تقصير أو خطأ صادر من شخص المحكم، ففي مثل هذه الحالات لا يحق للمحكم المطالبة بالأجرة لأنه يكون قد تسبب في ضياع وقت الخصوم وجهدهم ولا اعتبار لما أضاعه هو من وقت وجهد لكونه يعد هو المقصر أو المخطئ. وإذا أبطل القرار التحكيمي لأسباب لم يكن للمحكم فيها يد أو قصد أو سوء نية ففي مثل هذه الحالة يجوز أن ترد إلى المحكم جميع المصاريف الفعلية التي أنفقتها من أجل إتمام عملية التحكيم مثل نفقات السفر والإقامة في حين إذا ثبت سوء نية المحكم فإنه يطالب بالتعويض من قبل الخصوم.
كذلك فمن حقوق المحكم أيضاً إنه لا يجبر على القيام بمهمة التحكيم، إذ أنه يجب أن يقبل بتأدية هذه المهمة صراحة أو ضمناً فإن أبدى موافقته التزم بالقيام بها ما لم يطرأ مانع يمنعه كالمرض الشديد أو أي سبب آخر يمنعه القانون.
* المستشار الدكتور ناجي سابق#الدكتور ناجي سابق#ناجي سابق#Naji sabek