شروط تنفيذ حكم التحكيم

بقلم : د. ناجي سابق
عدد الزيارات: 67

شروط تنفيذ حكم التحكيم

شروط إعطاء الصيغة التنفيذية
* المستشار ناجي سابق

هناك فرق كبير بين صدور حكم التحكيم، وإعطاءه الصيغة التنفيذية، والتنفيذ الجبري، فصدور الحكم يعني بيان الحقوق وحسم النزاع وخروج القضية من يد المحكم.
أما الصيغة التنفيذية فهي تعطي حكم التحكيم حجية القضية المقضية أي القوة الثبوتية بصفة قضائية رسمية.
أما التنفيذ الجبري، فهو التنفيذ بناءً لقوة القانون من قبل رجال السلطة العامة إذا امتنع المحكوم عليه تنفيذ حكم التحكيم المكتسب للصفة التنفيذية طوعاً.
إذن من أجل إعطاء الصيغة التنفيذية التي تعتبر الأساس المتين في المحافظة على حقوق المتخاصمين، ضمن القواعد والمبادئ والقوانين، يتطلب ذلك شروطاً محددة يجب على قضاء الدولة الرسمي أن يتأكد من توافرها قبل إصدار أمر التنفيذ للقرار التحكيمي.
أولاً: شروط إعطاء الصيغة التنفيذية لقرار التحكيم الداخلي
حدد قانون التحكيم اللبناني شروط إعطاء الصيغة التنفيذية من قبل القاضي رئيس الغرفة الابتدائية الذي يجب عليه أن يتأكد من توافرها وفقاً لما يلي:
1- وجود قرار تحكيمي صادر من قبل محكمين معنيين وفقاً للقانون.
2- وجود اتفاق تحكيم صحيح.
3- صدور القرار التحكيمي ضمن المهلة القانونية.
4- عدم الخروج عن حدود المهمة التحكيمية.
5- مراعاة حق الدفاع.
6- اشتمال القرار التحكيمي على بياناته الإلزامية.
7- عدم مخالفة القرار التحكيمي للنظام العام.
8- أن يكون هناك محضر إيداع منظم وفقاً للأصول.
بناء لما تقدم يتبين لنا أن المشرع اللبناني لم يضع تلك الشروط بشكل واضح ومحدد في مادة وحيدة، إنما جاءت الشروط متناثرة في أكثر من مادة لكنها تهدف جميعها إلى بيان كيفية إعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي الذي يكتسب منذ صدوره حجية القضية المقضية.
تجدر الإشارة إلى أن الصيغة التنفيذية توضع على أصل القرار التحكيمي من قبل الجهة القضائية المختصة بأمر على عريضة.
علماً أن القرار الصادر بإعطاء الصيغة التنفيذية لا يقبل أي طعن، على أن استئناف القرار التحكيمي أو الطعن بطريق إبطاله يفيد حكماً، في حدود الخصومة المنعقدة أمام محكمة الاستئناف طعناً بقرار الصيغة التنفيذية أو رفعاً ليد القاضي المختص بإصداره.
لكنه في حالة رفض إعطاء الصيغة التنفيذية يكون قرار الرفض قابلاً للاستئناف خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تبليغه، وهنا تنظر محكمة الاستئناف في الأسباب التي كان بإمكان الخصوم التذرع بها ضد القرار التحكيمي بطريق الاستئناف أو الإبطال حسب الأصول القانونية المتبعة.
وعليه تنحصر سلطة المحكمة المختصة التي تنظر في طلب إعطاء الصيغة التنفيذية في تدقيق شروط القرار الشكلية ومدى صلاحية هيئة التحكيم في نظر النزاع وإعطاء الخصوم – أطراف النزاع – الفرصة لتقديم أدلتهم ومستنداتهم تطبيقاً لمبدأ حق الدفاع، وبيان مشتملات القرار وصدوره ضمن المهلة القانونية أم لا، إضافة إلى مراقبة عدم تجاوز هيئة التحكيم حدود المهمة وعدم مخالفة النظام العام.
خلاصة القول أن للمحكمة المختصة الحق بالنظر بالشروط الشكلية فقط دون الموضوعية حيث لا يجوز أن تبحث في إجراءات التحكيم وما قدمه الأطراف من مذكرات أو دفوع أو مستندات أو تقارير خبرة، وقناعة هيئة التحكيم أو مدى صحة التطبيق القانوني لموضوع النزاع.
فيكون دورها قاصراً فقط على الشكل الظاهر دون المضمون الباطن وذلك بهدف المراقبة العامة من قبل القضاء الرسمي والإسراع في الفصل بدل تشعبه بما يتوافق مع ميزات وأهداف التحكيم.
ثانياً: شروط إعطاء الصيغة التنفيذية لقرار التحكيم الدولي
لقد أفرد المشرع اللبناني قسماً خاصاً للتحكيم الدولي في قانون أصول المحاكمات المدنية لاسيما المواد 809 لغاية 821 حيث نصّت المادة 814 من القانون المذكور على كيفية الاعتراف بالقرارات التحكيمية الصادرة في الخارج أو في تحكيم دولي وإعطاءه الصيغة التنفيذية ضمن شروط محددة.
1- إثبات وجود أصل القرار تحكيمي أو صورة مصدقة وفقاً للقانون.
2- وجود اتفاق تحكيمي أو صورة طبق الأصل مصدقة وفقاً للقانون.
3- ترجمة القرار التحكيمي واتفاق التحكيم بواسطة مترجم محلف إذا كانت المستندات محررة بلغة أجنبية.
4- عدم مخالفة النظام العام الدولي بصورة واضحة.
5- عدم مخالفة النظام العام الوطني.
يتضح مما تقدم أن المشرع اللبناني حدد شروط الاعتراف بالقرارات التحكيمية وكيفية إعطاءها الصيغة التنفيذية ليتمكن أصحاب المصلحة من تنفيذها في لبنان أو خارجه حيث شدد على إثبات وجود أصل القرار التحكيمي مرفقاً باتفاق التحكيم مترجماً وفقاً للأصول القانونية إذا كان قد صدر بلغة أجنبية إضافة إلى عدم مخالفته للنظام العام الوطني والدولي بطبيعة الحال، وأن يقوم بإثبات كل هذه التفاصيل المشروطة من قبل الشخص الذي يتذرع بها.
ويضيف في المادة 815 من نفس القانون أنه تطبق على القرار التحكيمي الصادر من الخارج أو في تحكيم دولي أحكام المادتين 793 و 797 اللتين تنظمان كيفية إيداع أصل القرار في قلم الغرفة الابتدائية من قبل الخصم الأكثر عجلة مرفقاً باتفاق التحكيم بعد أن يحرر كاتب المحكمة محضراً بالإيداع.
كما يطبق من أجل الحصول على الصيغة التنفيذية التنفيذ المعجل للأحكام حيث يتولى إعطاء الصيغة التنفيذية من قبل رئيس الغرفة الاستئنافية إذا قدم استئناف أو طعن بطريق الإبطال للقرار التنفيذي المقرون بصفة التنفيذ المعجل.
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن لبنان قد وقع على اتفاقية نيويورك لعام 1958 التي تعني بالاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها وصادق عليها بتاريخ 11/آب/1998 حيث أصبح ملزماً بعدم مخالفتها وتطبيق نصوص الاتفاقية وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في إقليم دولة غير التي يطلب إليها الاعتراف وتنفيذ هذه الأحكام على إقليمها وتكون ناشئة من منازعات بين أشخاص طبيعة أو معنوية، كما تطبق أيضاً على أحكام المحكمين التي لا تعتبر وطنية في الدولة المطلوب إليها الاعتراف أو تنفيذ هذه الأحكام.
كذلك لا بد من الإشارة إلى موضوع الدفع بالحصانة أمام المحكم، "الحصانة القضائية، وحصانة التنفيذ". حيث أن موضوع الحصانة والدفع به يعرقل تحقيق العدالة أمام قضاء التحكيم، ويضرب مبدأ جوهري هو حق التقاضي لأنه حق لصيق بالشخصية الإنسانية ولا يجوز حرمان أي إنسان منه، فهو حق يتقدم في سموه وقوته على كافة المبادئ والنصوص القانونية حتى لو اتصلت بالنظام العام.
فإذا كان هناك عقد يتضمن بنداً يحيل به أي خلاف بين طرفيه إلى التحكيم وكان أحد الأطراف يتمتع بحصانة قضائية هيئة دولية وبالتالي عند قيام النزاع تتذرع الهيئة بحصانتها أمام المحكم، مما يحرم الطرف الآخر من الحصول على حقوقه أمام المحكم وأمام القضاء لأن وجود بند التحكيم يستبعد أساساً اللجوء إلى المحاكم العادية، الأمر الذي يجعله خارج كل ملاحقة مدنية وضياع الحقوق المادية والمعنوية للطرف الآخر.
عليه وبناءً لما تقدم، وحيث أن حق التقاضي هو حق لصيق بالشخصية الإنسانية وهو من الحقوق الأساسية للإنسان التي نصت عليه المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبما أن أي عقد موقع بين الطرفين يجب أن ينفذ بحسن نية ضمن أصول الالتزام القانوني وعدم التناقض بقول الشيء وعكسه، وبالتالي لا يجوز لأي طرف من أطراف العقد الذي وقع عليه بحسن نية أن يدفع بالحصانة القضائية والتنفيذية لأن توقيعه على العقد الذي يتضمن بنداً تحكيمياً يؤدي إلى التنازل عن الحصانة وانصراف النية بشكل صريح إلى اللجوء للتحكيم سبيلاً وحيداً لحل النزاعات التي قد تنشأ عن هذا العقد أو تتعلق به أو مخالفة أحكامه.
أما فيما يتعلق بحصانة التنفيذ في معرض التحكيم التي تتذرع فيها الدول وسفاراتها والهيئات الدولية، يجوز الحجز التنفيذي على الأموال العائدة للهيئات الدولية أو سفارات الدول أثناء تنفيذ قرار تحكيمي حاصل على الصيغة التنفيذية وفقاً للأصول القانونية إذا كان موضوع النزاع الذي أسس العلاقة التعاقدية بين الطرفين مدنياً موضوع تعامل مدني أي ينزل منزلة تعامل الأفراد الذي يخضع للقانون الخاص، وبالتالي تستثنى من أي حصانة كانت لعدم مساس قرار الحجز التنفيذي المبني على القرار التحكيمي بحسن سير المرفق العام.
وبذلك يكون التعامل تعاملاً تعاقدياً مدنياً لا يشمله مطلقاً المفهوم السيادي أو الدبلوماسي الموجب للحصانة. حيث يجب تنفيذ القرار التحكيمي طوعاً وبحسن نية انطلاقاً من الالتزام القصدي والقانوني المنصف للطرفين الذي نصت عليه المادة 221 من قانون الموجبات والعقود اللبناني، والمادة 860 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبنانية واستناداً إلى أحكام القانون الدولي لاسيما المادة 17 من اتفاقية فينا لعام 1961 الخاصة بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية، حيث استثنت الحصانة التنفيذية في الدعاوى المتعلقة بأي نشاط مدني أو تجاري يمارس في الدولة المعتمدة لديها خارج الوظائف الرسمية لأنها لا تمس على الإطلاق السيادة أو العمل الدبلوماسي الذي يهدف إلى استمرارية المهام الوظيفية الدبلوماسية واحترام مبدأ المعاملة بالمثل.
الخلاصة أن أي تعامل تعاقدي يتضمن بنداً تحكيمياً بين طرفين يكون أحدهما هيئة دولية ويقوم نزاع بينهما لا يجوز لهذه الهيئة الدولية. أن تدفع بالحصانة القضائية أو حصانة التنفيذ إذ أصدر قرار تحكيمي نهائي حاصل على الصيغة التنفيذية وفقاً للأصول القانونية، لأن العقد هو عقد مدني مبني أصولاً على حسن النية بين الطرفين لحل النزاع، خاصة أنه بمجرد التوقيع على هذا العقد هو بمثابة تنازل عن الحصانة القضائية والتنفيذية معاً عملاً بمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود والتساوي أمام القانون والعدالة التحكيمية القائمة لأنه عمل مدني لا يمس بالسيادة أو العمل الدبلوماسي أو استمرار المرفق العام وبالتالي إن قبول الدولة أو المنظمة الدولية بالتحكيم يعني قبولها بتنفيذ القرار التحكيمي حتى لو كانت هي الطرف الخاسر ما يفيد تخليها عن حصانة المقاضاة وحصانة التنفيذ في آن معاً.
وهكذا يكون سبيل قضاء التحكيم منتجاً لآثاره بعد اقتران القرار التحكيمي الحاسم للنزاع بالصيغة التنفيذية التي تعطيه الفعالية والإلزام حيث يضحى قراراً معادلاً للحكم القضائي الملزم وفقاً لنصوص القانون. لأن الدعوى تربح مرتين الأولى عند إصدار الحكم والثانية عند التنفيذ.
الدكتور ناجي سابق # التحكيم # التحكيم التجاري # المحكم # المحكم ناجي سابق # الدكتور ناجي سابق# الصيفة التنفيذية # التحكيم # ناجي سابق


قنوات التواصل

مسقط ، سلطنة عمان

naji.sabek@hotmail.com

+9613606501