لغة التحكيم من المسائل الإجرائية الجوهرية التي تؤثر مباشرة في شفافية الإجراءات، وحق الدفاع، وضمانات العدالة. وفي التحكيم التجاري، الذي غالبًا ما يجمع أطرافًا من خلفيات لغوية متعددة، يُصبح تنظيم مسألة اللغة أمرًا ضروريًا لضمان وضوح الإجراءات ومخرجاتها. وقد نظم المشرّع العماني هذه المسألة في المادة (29) من قانون التحكيم الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 97/47 من اجل حسن سير الاجراءات التحكيمية مشيرا" الى لغة التحكيم في عدة مواد في القانون من حيث النص على لغة التحكيم في اتفاق التحكيم او في الجلسة الاحرالية الاولى او اثناء الاجراءات وتقديم المذكرات والمستندات باللغة او من خلال تنفيذ جكم التحكيم الذي يحدد ضرورة ترجمة الاتفاق والحكم وفقا" للاصول القانونية .
أولاً: لغة التحكيم في قانون التحكيم العماني
تتضمن المادة (29) من قانون التحكيم العماني القواعد التالية:
1. يجرى التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان أو تحدد هيئة التحكيم لغة أو لغات أخرى. ويسري حكم الاتفاق أو القرار على لغة البيانات والمذكرات المكتوبة وعلى المرافعات الشفهية وكذلك على كل قرار تتخذه هذه الهيئة أو رسالة توجهها أو حكم تصدره ما لم ينص اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم على غير ذلك.
2. لهيئة التحكيم تلتزم نص اتفاق الاطراف حول موضوع اللغة واذا لم ينص على ذلك لها أن تقرر أن ترفق الوثائق المكتوبة التي تُقدم في الدعوى بترجمة إلى اللغة العربية علما" انه من المقرر قانونا" الالتزام بنص اتفاق التحكيم والقانزن الواجب التطبيق الذي يحدد هذه التفاصيل بدقة ووضوح
1. القاعدة العامة: اللغة العربية هي اللغة الأصلية للتحكيم، ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك.
2. حرية الأطراف: يمكن للأطراف الاتفاق على أي لغة أو لغات أخرى، وهو ما يعكس احترام إرادتهم التعاقدية.
3. سلطة الهيئة: في حال غياب الاتفاق، تنتقل سلطة تحديد اللغة إلى هيئة التحكيم، على أن يسري اختيار اللغة على كامل الإجراءات المكتوبة والشفوية.
4. الترجمة القانونية :
نشير الى ان الفقرة 2 من نص المادة 29 اجازت لهيئة التحكيم ان تقرر ان يرفق بكل او بعض الوثائق المكتوبةالتي تقدم في الدعوىترجمة الى اللغة او اللغات المستخدمة في التحكيم.
ومن الاهمية ان نبين ان المادة (47) اوجبت على من صدر حكم التحكيم لصاله ايداع اصل الحكم او صورة موقعه منه باللغة التي صدر بها او ترجمتهباللغة العربية مصدقا" عليها من جهة معتمدة اذا كان صادرا" بلغة اجنبية .
كذلك اوجبت المادة (56-3 ) في فقرتها التالثة ضرورة ترجمة حكم التحكيم الى اللغة العربية اذا لم يكن صادرا" بها وذلك للحصول على الصيغة التنفيذية واصدار الامر بالتنفيذ لحكم التحكيم المنهي للخصومة .
ثانيًا: مقارنة مع قوانين التحكيم في دول مجلس التعاون الخليجي
1. السعودية (نظام التحكيم السعودي – المادة 29)
"يكون التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك. وللهيئة أن تطلب ترجمة ما تراه من الوثائق."
يتطابق مع النص العماني من حيث اعتماد العربية كلغة أصلية مع إمكانية الاتفاق على لغة أخرى، وسلطة الهيئة بطلب الترجمة.
2. الإمارات (القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2018 – المادة 30)
> "تُحدد لغة أو لغات التحكيم باتفاق الأطراف، وإذا لم يوجد اتفاق، حددتها هيئة التحكيم. ويشمل القرار جميع المذكرات والمرافعات والقرارات والأحكام. ويجوز إلزام الأطراف بترجمة أي مستندات."
النص الإماراتي أكثر تحررًا، حيث لا يفترض اللغة العربية كلغة أصلية، بل يُعطي الأولوية للاتفاق، ثم لسلطة الهيئة، ويطابق النص العماني في المضمون.
3. قطر (القانون رقم 2 لسنة 2017 بشأن التحكيم – المادة 30)
> "للأطراف حرية الاتفاق على اللغة أو اللغات التي تستخدم في إجراءات التحكيم، وإذا لم يوجد اتفاق، تحددها هيئة التحكيم. ويمكن للهيئة أن تطلب ترجمة الوثائق."
لا يفرض القانون القطري لغة معينة، بل يعتمد على اتفاق الأطراف أولاً، ثم على قرار الهيئة، مما يمنح مرونة مشابهة للنص العماني بعد الفقرة الأولى.
4. البحرين (قانون التحكيم البحريني – المادة 23 من القانون رقم 9 لسنة 2015)
> "للأطراف الاتفاق على اللغة المستخدمة في الإجراءات، وإذا لم يوجد اتفاق، تحددها الهيئة. وتُعمم اللغة المختارة على جميع المراسلات والمرافعات. ويجوز تقديم الوثائق بأي لغة بشرط إرفاق ترجمة."
يتماثل مع باقي الأنظمة الخليجية، دون تقييد بلغة معينة، ويعتمد الترجمة الإلزامية عند الحاجة، مثلما ورد في الفقرة (2) من النص العماني.
5. الكويت (قانون التحكيم – المرسوم بقانون رقم 10 لسنة 1979، ومشروع قانون التحكيم)
> لا يتضمن القانون الكويتي نصًا صريحًا حول لغة التحكيم، لكن مشاريع القوانين والتحكيم المؤسسي (مثل مركز التحكيم الكويتي) تعتمد على اتفاق الأطراف أو تحديد الهيئة.
ملاحظة: عدم وجود نص قانوني واضح في الكويت يُبرز الحاجة إلى التحديث التشريعي لمواكبة المعايير الخليجية والعالمية.
ثالثًا: أهمية تنظيم لغة التحكيم
1. ضمان حق الدفاع: فهم الإجراءات بلغة مفهومة من قبل الأطراف ضروري لتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم بفعالية.
2. فعالية الإجراءات: توحيد اللغة يساعد على تنظيم الجلسات وإصدار القرارات دون تأخير.
3. تقليل النزاعات الشكلية: النصوص الواضحة بشأن اللغة تقلل من الدفوع الشكلية المتعلقة بعدم الترجمة أو الإخلال بمبدأ المساواة.
4. تعزيز التحكيم الدولي: تنظيم اللغات والاعتراف بحق الأطراف في اختيار لغة أجنبية يدعم جاذبية التحكيم التجاري في الدول الخليجية.
ختاما" ينسجم النص العماني في المادة (29) مع الاتجاه الخليجي العام نحو مرونة تنظيم لغة التحكيم، مع اختلاف بسيط في أن سلطنة عمان والسعودية تفترضان اللغة العربية كلغة أصلية ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك، في حين أن بقية دول الخليج تُعطي الأولوية مباشرةً لإرادة الأطراف .
الدكتور ناجي سابق # لغة التحكيم # المحكم ناجي سابق# اللغة العربية لغة التحكيم # ترجمة حكم التحكيم الى اللغة العربية